تعود على «من» ويفهم ذلك من المعنى.
وقد اجتمعت
مراعاة اللّفظ والمعنى في قوله تعالى : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ
وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ففي القسم الأول من الآية تعود الضّمائر كلّها إلى مفرد
مذكّر فهي تراعي لفظ «من» ، وفي القسم الثّاني من الآية تعود الضّمائر كلّها إلى جمع
مذكّر «عليهم يحزنون» مراعاة للمعنى وتستعمل «من» بمعنى : العالم ، كقوله تعالى : (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) وفيها «من» تدل على العالم العاقل. ومثل «خير المحسنين
من أعطى بالخفاء» وكقول الشاعر :
ولا خير فيمن
لا يوطّن نفسه
|
|
على نائبات
الدّهر حين تنوب
|
وفيه استعملت «من»
للعاقل.
وتكون «من»
للمفرد المذكّر والمؤنث كمثل «شهد من حضر» ، أو حضرت ، وتكون للمثنّى والجمع
المذكّرين والمؤنّثين ، مثل : «فاز من تعلّما» أو تعلّمتا» «تعلّما» الألف هي ضمير
المثنّى المذكّر الذي يعود على «من» ومثله تعلّمتا : الضمير فيه يعود على مثنّى
مؤنث. ومثل : «فاز من تعلّموا» أو «تعلّمن». «تعلّموا» : الضّمير فيها هو «واو»
الجماعة الذي يعود على جمع مذكّر المستفاد من كلمة «من». والضّمير «تعلّمن» هو نون
الإناث الذي يعود إلى جمع مؤنّث مستفاد من كلمة «من».
وتكون «من»
لغير العاقل ، وذلك إذا كان الكلام في شيء له أنواع متعدّدة مفصلة بكلمة «من» ،
كقوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَ) شيء (مِنْ ماءٍ ،
فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ
، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) ، وتكون أيضا لغير العاقل إذا كان من غير العاقل أمر لا
يكون إلا من العقلاء ، فينزّل منزلتهم ، كقول الشاعر :
أسرب القطا
هل من يعير جناحه
|
|
لعلّي إلى من
قد هويت أطير
|
حيث وردت «من»
في هذا البيت ودلّت على غير العاقل ، فأطلقه على القطا ، والدّليل أنه ناداه فقال
: أسرب القطا ... ولا يطلب النّداء وإقبال المنادى إلّا من العاقل. وفي الشطر
الثاني من البيت استعملت «من» للعاقل : «من هويت» وتكون لغير العاقل ، إذا كان في
الكلام شيء يعود إلى العاقل وغيره ، فيراعى مكان العاقل ، مثل :«عجيب أمرك أيّها
القمر هل على الأرض من ينكر حسنك» ، «من» تدل على كل ما على الأرض من إنسان وغيره
، فروعي تغليب العاقل لمكانته. وكقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وفيها تفيد «من» تغليب العاقل على غيره. وكقوله تعالى :
(وَمِنْهُمْ مَنْ
يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ) وفيها تفيد «من» تغليب العاقل على غيره.
٢ ـ أحكام «ما».
أكثر ما تستعمل «ما» لغير العاقل وتكون للمفرد المذكّر والمؤنّث مثل :
__________________