معناه أن وجود ما سواه فائض عن تربيته ، وإحسانه وجوده وامتنانه ، فالأول يدل على التمام والثاني على أنه فوق التمام.
الرابعة : رب العالمين ثم إنه يربيك كأنه ليس له عبد سواك وهو الله الواحد الأحد الصمد ، وأنت تخدمه كأنّ لك أربابا غيره فما إنصافك أيها الإنسان؟ (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ) [الأنبياء : ٤٢] خلقت لعبادة الرب فلا تهدم حقيقتك بمعصية الرب ، الآدمي بنيان الرب ملعون من هدم بنيان الرب.
السادس : في فوائد قوله (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).
الأولى : الرحمن بما لا يتصور صدوره من العباد ، والرحيم بما يقدر عليه العباد. أنا الرحمن لأنك تسلم إليّ نطفة مذرة فأسلمها إليك صورة حسنة ، أنا الرحيم لأنك تسلم إليّ طاعة ناقصة فأسلم إليك جنة خالصة.
الثانية : ذهب بعضهم إلى ملك فقال : جئتك لمهم يسير. فقال : أطلب المهم اليسير من الرجل اليسير. فكأن الله تعالى يقول : لو اقتصرت على الرحمن لاحتشمت مني ولتعذر عليك سؤالي الأمور اليسيرة ، فأنا الرحمن لتطلب مني الأمور العظيمة ، وأنا الرحيم لتطلب مني شراك نعلك وملح قدرك.
الثالثة : الولد إذا أهمل حال ولده ولم يؤدبه ظن أن ذلك رحمة وهو في الحقيقة عذاب. من لم يؤدبه الأبوان أدبه الملوان ، وعكسه حال من تقطع يده لأكلة فيها ، أو يضرب لتعليم حرفة ، أو لتأدب بخصلة شريفة. فكل ما في العالم من محنة وبلية فهو في الحقيقة رحمة ونعمة (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) [البقرة : ٢١٦] وقصة موسى مع الخضر كما تجيء في موضعها تؤيد ما ذكرناه ، والحكيم المحقق هو الذي يبني الأمور على الحقائق لا على الظواهر ، فإن ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير.
الرابعة : أعطى مريم عليهاالسلام رحمة (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا) [مريم : ٢١] فصارت سببا لنجاتها من توبيخ الكفار والفجار ، وأعطانا رحمة (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ١٠٧] فكيف لا ننجو بسببه من عذاب النار.
الخامسة : وصف النبي صلىاللهعليهوسلم بالرحمة فكان من حاله أنه لما كسرت أسنانه قال : اللهم اهد قومي فإنهم لا يعملون ، وأنه يوم القيامة يقول : أمتي أمتي. فلما وصف نفسه بكونه