تقبل شهادتهم على الأمم ، ولا تقبل شهادة الأمم عليهم. وإنما سمي هذا الإخبار شهادة لقوله صلىاللهعليهوسلم «إذا علمت مثل الشمس فاشهد». والشيء الذي أخبر الله تعالى عنه معلوم مثل الشمس فتصح الشهادة عليه ، وإما بأن يشهدوا على الناس بأعمالهم التي خالفوا الحق فيها. قال ابن زيد : الأشهاد أربعة : الملائكة الحفظة (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) [ق : ٢١] والنبيون (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) وأمة محمد صلىاللهعليهوسلم خاصة (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) [غافر : ٥١] والجوارح (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ) [النور : ٢٤]. وقيل : إن هذه الشهادة في الدنيا ، وذلك أن الشاهد في عرف الشرع من يخبر عن حقوق الناس بألفاظ مخصوصة على جهات مخصوصة ، فكل من عرف حال شخص فله أن يشهد عليه فإن الشهادة خبر قاطع ، وشهادة الأمة لا يجوز أن تكون موقوفة على الآخرة لأن عدالتهم في الدنيا ثابتة بدليل (جَعَلْناكُمْ) بلفظ الماضي ، فلا أقل من حصولها في الحال. ثم رتب كونهم شهداء على عدالتهم ، فيجب أن يكونوا شهداء في الدنيا. وإن قيل : لعل التحمل في الدنيا ولكن الأداء في الآخرة. قلنا : المراد في الآية الأداء لأن العدالة إنما تعتبر في الأداء لا في التحمل ، ومن هنا يعلم أن إجماعهم حجة لا بمعنى أن كل واحد منهم محق في نفسه ، بل بمعنى أن هيئتهم الاجتماعية تقتضي كونهم محقين ، وهذا من خواص هذه الأمة ، ثم لا يبعد أن يحصل مع ذلك لهم الشهادة في الآخرة فيجري الواقع منهم في الدنيا مجرى التحمل لأنهم إذا بينوا الحق عرفوا عنده من القابل ومن الراد ، ثم يشهدون بذلك يوم القيامة كما أن الشاهد على العقود يعرف ما الذي تم وما الذي لم يتم ثم يشهد بذلك عند الحاكم ، أو يكون المعنى لتكونوا شهداء على الناس في الدنيا فيما لا يصح إلّا بشهادة العدول الأخيار ، ويكون الرسول عليكم شهيدا يزكيكم ويعلم بعدالتكم. وإنما قدمت صلة الشهادة في الثاني لأن الغرض في الأول إثبات شهادتهم على الأمم فقط ، فبقيت صلة الشهادة في مركزها. والغرض في الآخر اختصاصهم بكون الرسول شهيدا عليهم فأزيلت عن مركزها ليفيد الاختصاص. وإنما لم يقل لكم شهيدا مع أن شهادته لهم لا عليهم ، لأنه ضمن معنى الرقيب مثل (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المجادلة : ٦] مع رعاية الطباق للأول. وإنما قيل «شهداء على الناس في الدنيا» لأن قولهم يقتضي التكليف إما بفعل أو بقول وذلك عليهم لا لهم في الحال. قيل : الآية متروكة الظاهر لأن وصف الأمة بالعدالة يقتضي اتصاف كل واحد منهم بها وليس كذلك ، فلا بد من حملها على البعض. فنحن نحملها على الأئمة المعصومين سلمناه لكن الخطاب في (جَعَلْناكُمْ) للموجودين عند نزول الآية