حرث الدنيا بماء وجهه عند الخلق وبماء وجاهته عند الخالق ، فيذهب ماؤه عند الحق وعند الخلق (مُسَلَّمَةٌ) من آفات صفاتها ليس فيها علامة طلب غير الله (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) بمقتضى الطبيعة لولا فضل الله وحسن توفيقه. (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً) يعني القلب (فَادَّارَأْتُمْ) فاختلفتم أنه كان من الشيطان أم من الدنيا أو من النفس الأمارة (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها) ضرب لسان بقرة النفس المذبوحة بسكين الصدق على قتيل القلب بمداومة الذكر فحيي بإذن الله تعالى وقال (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) [يوسف : ٥٣] (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ) مراتب القلوب في القسوة مختلفة ، فالتي يتفجر منها الأنهار قلوب يظهر عليها الغليان أنوار الروح يترك اللذات والشهوات بعض الأشياء المشبهة بخرق العادات كما يكون لبعض الرهبانيين والهنود ، والتي تشقق فيخرج منها الماء هي التي يظهر عليها في بعض الأوقات عند انخراق الحجب البشرية من أنوار الروح فيريه بعض الآيات والمعاني المعقولة كما يكون لبعض الحكماء ، والتي تهبط من خشية الله ما يكون لبعض أهل الأديان والملل من قبول عكس أنوار الروح من وراء الحجب فيقع فيها الخوف والخشية ، وهذه المراتب مشتركة بين المسلمين وغيرهم. والفرق أنها في المسلمين مؤيدة بنور الإيمان فيزيدوا في قربهم وقبولهم ودرجاتهم ، ولغيرهم ليست مؤيدة بالإيمان فيزيدوا في غرورهم وعجبهم وبعدهم واستدراجهم ، والمسلمون مخصوصون بكرامات وفراسات تظهر لهم من تجلي أنوار الحق ورؤية برهانه. فإراءة الآيات للخواص (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) [فصلت : ٥٣] (وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [البقرة : ٧٣] لكن إراءة البرهان لأخص الخواص كما في حق يوسف (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) [يوسف : ٢٤] سئل الحسن بن منصور عن البرهان فقال : واردات ترد على القلوب فتعجز النفوس عن تكذيبها. والله أعلم.
(أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٧٦) أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٧) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٧٨) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (٧٩) وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٠) بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ