يكن قاطعا بنبوته لكان يجوز خلافه ، وبتقدير وقوع خلافه يظهر كذبه ، فالمبطل المزوّر لا يقطع في الكلام قطعا ، وحيث جزم دل على صدقه. ورابعها : أن قوله «ولن تفعلوا» وفي «لن» ، تأكيد بليغ في نفي المستقبل إلى يوم الدين ، إخبار بالغيب. وقد وقع كما قال صلىاللهعليهوسلم ، لأن أحدا لو عارضه صلىاللهعليهوسلم لم يمتنع أن يتواصفه الناس ويتناقلوه عادة ، لا سيما والطاعنون فيه صلىاللهعليهوسلم أكثف عددا من الذابين عنه صلىاللهعليهوسلم ، وإذا لم تقع المعارضة إلى الآن غلب على الظن ، بل حصل الجزم أنها لا تقع أبدا لاستقرار الإسلام وقلة شوكة الطاعنين. وإنما جيء بـ «إن» الذي للشك دون «إذا» الذي للوجوب والقطع ، مع أن انتفاء إتيانهم بالسورة واجب بناء على حسبانهم وطمعهم ، فإنهم كانوا بعد غير جازمين بالعجز عن المعارضة لاتكالهم على بلاغتهم. وأيضا فيه تهكم كما يقول الموصوف بالقوة الواثق من نفسه بالغلبة على من يقاويه : إن غلبتك لم أبق عليك. وإنما اختير قوله «فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا» على قوله «فإن لم تأتوا بسورة من مثله ولن تأتوا بسورة من مثله ، طلبا للوجازة ، فإن الإتيان فعل من الأفعال ، وحذف مفعول فعل كثير دون مفعول أتى فهو جار مجرى الكناية التي تعطيك اختصارا يغنيك عن طول المكنى عنه ، كما لو قلت : أتيت فلانا وأعطيته درهما. فيقال لك : نعم ما فعلت. وقوله «ولن تفعلوا» جملة معترضة لا محل لها. وليس الواو للحال وإنما هو للاستئناف. والمعترضة تجيء بالواو وبدون الواو ، وقد اجتمعتا في قوله : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) [الواقعة : ٧٦] وإنما لم يقل فإن لم تفعلوا فاتركوا العناد كما هو الظاهر ، لأن اتقاء النار لصيقه وضميمه ترك العناد ، فوضع موضعه من حيث إنه من نتائجه ، لأن من اتقى النار ترك المعاندة ، ونظيره قول الملك لجيشه : إن أردتم الكرامة عندي فاحذروا سخطي. يريد فاتبعون وافعلوا ما هو نتيجة حذر السخط ، فهو من باب الكناية. وفائدته الإيجاز الذي هو من حلية القرآن ، وتهويل شأن العناد بأنه الموجب للنار ، ولهذا شنع بتفظيع أمرها. والوقود ما ترفع به النار ، وأما المصدر فمضموم وقد جاء فيه الفتح. فإن قلت : صلة «الذي» و «التي» يجب أن تكون قصة معلومة للمخاطب ، فكيف علم أولئك أن نار الآخرة توقد بالناس والحجارة؟ قلنا : لا يمتنع أن يتقدم لهم بذلك سماع من أهل الكتاب ، أو سمعوه من رسول الله ، أو يكون إشارة إلى ما نزلت بمكة قبل نزول هذه بالمدينة وذلك في سورة التحريم (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) [التحريم : ٦] ولهذا عرّفت هاهنا مشارا بها إلى ما عرفوه ثمة أوّلا ، والمعنى : اتقوا نارا ممتازة عن غيرها من النيران بأنها لا تتقّد إلا بالناس والحجارة ، أو بأنها توقد بنفس ما يراد إحراقه وإحماؤه ، أو بأنها لإفراط حرها إذا اتصلت بما لا يشتعل به نار اشتعلت وارتفع لهبها. ولعل لكفار