إلى عالم الخفيات المطلع على السرائر والنيات ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» (١). الرابعة : يجوز أن يكون بالغيب صلة للإيمان أي يعترفون أو يثقون به ، وعلى هذا يكون الغيب بمعنى الغائب إما تسمية بالمصدر كما سمى الشاهد بالشهادة قال الله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) [الرعد : ٩ ؛ المؤمنون : ٩٢ ؛ التغابن : ١٨] والعرب تسمي المطمئن من الأرض غيبا ، وإما أن يكون مخفف فيعل والمراد به الخفي الذي لا ينفذ فيه ابتداء إلا علم اللطيف الخبير ، وإنما نعلم منه نحن ما أعلمناه أو نصب لنا دليل عليه ، ولهذا لا يجوز أن يطلق فيقال : فلان يعلم الغيب ، وذلك نحو الصانع وصفاته والنبوات وما يتعلق بها والبعث والنشور والحساب والوعد والوعيد وغير ذلك. ويجوز أن يكون بالغيب حالا ، والغيب بمعنى الغيبة والخفاء أي يؤمنون غائبين عن المؤمن به وحقيقته متلبسين بالغيب نحو (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) [الأنبياء : ٤٩] (لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) [يوسف : ٥٢] وفيه تعريض بالمنافقين حيث إن باطنهم يخالف ظاهرهم وغيبتهم تباين حضورهم (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ) [البقرة : ١٤] وقال بعض الشيعة : المراد بالغيب المهدي المنتظر الذي وعد الله في القرآن. وورد في الخبر (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) [النور : ٥٥] «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من أمتي يواطىء اسمه اسمي وكنيته كنيتي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما» (٢) الخامسة : معنى إقامة الصلاة أحد ثلاثة أشياء : إما تعديل أركانها وحفظها من أن يقع زيغ في فرائضها وسننها وآدابها من أقام العود إذا قومه ، وإما الدوام عليها والمحافظة (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) [المعارج : ٢٣ ، ٢٤] من قامت السوق إذا نفقت وأقامها. قال الأسدي : أقامت غزالة سوق الضراب. لأهل العراقين حولا قميطا. غزالة اسم امرأة شبيب الخارجي ، قتله الحجاج فحاربته سنة تامة. والضراب القتال ، والعراقان الكوفة والبصرة ، وقميطا أي كاملا لأنها إذا حوفظ عليها كانت كالشيء النافق الذي تتوجه إليه الرغبات ، وإما التجلد والتشمر لأدائها وأن لا يكون في مؤديها فتور عنها ولا توان من قولهم : قام في الأمر
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب الإيمان حديث ٣٢ ـ ٣٦. البخاري في كتاب الإيمان باب ١٧. أبو داود في كتاب الجهاد باب ٩٥. الترمذي في كتاب تفسير سورة ٨٨. النسائي في كتاب الزكاة باب ٣.
(٢) رواه أبو داود في كتاب المهدي باب ١. ابن ماجه في كتاب الفتن باب ٣٤. أحمد في مسنده (١ / ٩٩) (٣ / ٢٨).