الله ، فيجتمعون عليه ويضربونه الضرب المبرح ، ويخنقونه حتى يغشى عليه ثم يلفونه في حصير ويرمون به في الطريق ، ويقولون إنه سيموت بعد هذا اليوم ، فيعيد الله سبحانه وتعالى إليه قوته فيرجع إليهم ويدعوهم إلى الله ، فيفعلون به مثل ذلك (١).
وقال مجاهد وعبيد بن عمير : كانوا يضربونه حتى يغشى عليه ، فإذا أفاق قال : «رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».
وقال ابن عباس ، رضياللهعنه ، إن نوحا كان يضرب ثم يلف في لبد فيلقى في بيته يرون أنه مات ، ثم يخرج فيدعوهم ، حتى إذا يئس من إيمان قومه ، جاءه رجل ومعه ابنه وهو يتوكأ على عصا ، فقال : يا بني انظر هذا الشيخ لا يغرنك ، قال : يا أبت أمكني من العصا ، فأخذ العصا ، ثم قال : ضعني في الأرض فوضعه ، فمشى إليه بالعصا فضربه فشجه شجة موضحة في رأسه ، وسالت الدماء ، فقال نوح : «رب قد ترى ما يفعل بي عبادك فإن يك لك في عبادك خير فاهدهم ، وإن يك غير ذلك فصبرني إلى أن تحكم وأنت خير الحاكمين» (٢).
وهكذا بقي النبي الكريم يؤذى ويعذب ، وهو مع ذلك صابر ، لا يدعو على قومه بالعذاب ، وإنما كان يؤمل فيهم أو في أبنائهم الخير والصلاح ، ويقول : لعل الله يخرج من أصلابهم من يستجيب لدعوتي ويؤمن بالله ، ولكن مع هذه المدة الطويلة لم يؤمن معه إلا القليل منهم ، وكان كلما انقرض جيل جاء من بعده جيل أخبث وألعن ، فلقد كان القوم يوصون أولادهم بعدم الإيمان به ، وكان الوالد يقول لولده إذا بلغ وعقل : يا بني احذر هذا لا يغرنك عن دينك وألهتك (٣).
__________________
(١) محمد علي الصابوني : النبوة والأنبياء ـ بيروت ١٩٧٠ ص ١٥٠.
(٢) تفسير القرطبي ص ٣٢٧١.
(٣) محمد علي الصابوني : المرجع السابق ص ١٥٠ ـ ١٥١.