أشرنا من قبل أن النبوة لا تكون بالإرث ، فولد النبي لا يكون نبيّا بطريق
الإرث عن أبيه ، بل هي بمحض الفضل الإلهي والاصطفاء الرباني ، ويقول صاحب الظلال : أن داود أوتى الملك مع النبوة
والعلم ، ولكن الملك لا يذكر في صدد الحديث عن نعمة الله عليه وعلى سليمان ، إنما
يذكر العلم ، لأن الملك أصغر من أن يذكر في هذا المجال ، ومن ثم فالمفهوم في
الوراثة أنها وراثة العلم ، لأنه هو القيمة العليا التي تستأهل الذكر ، ويقول الطبري أن سليمان ورث أباه داود في العلم الذي
كان آتاه الله في حياته ، والملك الذي كان خصه به على سائر قومه ، فجعله له بعد
أبيه ، دون سائر ولد أبيه .
ويقول الفخر
الرازي في التفسير الكبير : أما قوله تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ
داوُدَ) فقد اختلفوا فيه ، فقال الحسن البصري : المال ، لأن
النبوة عطية مبتدأة ولا تورث ، وقال غيره : بل النبوة ، وقال آخرون : بل الملك
والسياسة ولو تأمل الحسن لعلم أن المال إذا ورثه الولد فهو أيضا عطية مبتدأة من
الله تعالى ، ولذلك يرث الولد إذا كان مؤمنا ، ولا يرث إذا كان كافرا أو قاتلا ،
ولكن الله تعالى جعل سبب الإرث فيمن يرث الموت على شرائط ، وليس كذلك النبوة ، لأن
الموت لا يكون سببا لنبوة الله ، فمن هذا الوجه يفترقان ، وذلك لا يمنع من أن يوصف
بأنه ورث النبوة لما قام به عند موته ، كما يرث الولد المال إذا قام به عند موته ،
ومما يبيّن ما قلناه أنه تعالى لو فصل فقال : وورث سليمان داود ماله لم يكن لقوله «وقال
يا أيها الناس علمنا منطق الطير» معنى ، وإذا قلنا وورث مقامه من النبوة والملك
حسن
__________________