فابتلاه الله تعالى بذهاب ولده وماله وبمرض في بدنه ، فما وهن لما أصيب به من البلايا ، وما ضعف ولا استكان وإنما قابل ذلك كله بالصبر الجميل والإيمان الكامل ، فكان في حالتي الرخاء والبلاء مثالا لعباد الله الصالحين في إرضاء الرحمن ، وإرغام أنف الشيطان.
هذا وقد روى الإمام الرازي في التفسير الكبير : (١) أن إبليس سأل ربه فقال : هل في عبيدك من لو سلطتني عليه يمتنع مني؟ فقال الله تعالى : نعم عبدي أيوب ، فجعل يأتيه بوساوسه وهو يرى إبليس عيانا ولا يلتفت إليه ، فقال يا رب إنه قد امتنع علي فسلّطني على ماله ، وكان يجيئه ويقول له : هلك من مالك كذا وكذا ، فيقول : الله أعطى والله أخذ ، ثم يحمد الله ، فقال : يا رب إن أيوب لا يبالي فسلطني على ولده ، فجاء وزلزل الدار فهلك أولاده بالكلية ، فجاءه وأخبره فلم يلتفت إليه ، فقال يا رب لا يبالي بماله وولده فسلطني على جسده ، فأذن فيه فنفخ في جلد أيوب ، وحدثت أسقام عظيمة وآلام شديدة ، فمكث في ذلك البلاء سنين (٢) ، ومع ذلك فقد ظل صابرا حتى ضرب في هذا المجال أروع المثل ، وغدا صبره وإيمانه حديث القرون والأجيال ، وصدق سيدنا ومولانا محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم حيث يقول كما ثبت في الصحيح : «أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلي الرجل حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه» (٣).
وقد اختلف المفسرون في مدة بلاء أيوب عليهالسلام وشدته ، فذهبت
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ٢١٢.
(٢) يعترض كثير من العلماء على هذه الرواية لأن الشيطان لا قدرة له البتة على إيقاع الناس في الأمراض والآلام ، فضلا عن أن يكون ذلك مع الأنبياء على وجه الخصوص ، وقد حكى الله تعالى عن الشيطان أنه قال : «وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي» ، فصرح بأنه لا قدرة له في حق البشر ، إلا على إلقاء الوساوس والخواطر الفاسدة (راجع : تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ٢١٣).
(٣) البداية والنهاية ١ / ٢٢٢ ، انظر مسند الإمام أحمد ١ / ١٧٢ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٣٠١.