عندي أنها لا تعدو القرن ونصف القرن ، إذا اعتمدنا على الرأي الذي يرجح الخروج على أيام مرنبتاح حوالي عام ١٢١٤ ق. م ، وقيام ملكية طالوت حوالي عام ١٠٢٠ ق. م ، آخذين في الاعتبار فترة التيه وعهد يشوع بن نون.
وأيا ما كان الأمر ، فلقد كانت القبيلة أو السبط هي أساس النظام الاجتماعي عند بني إسرائيل ، وطبقا لرواية التوراة فقد كانت الأرض المفتوحة تقسم على إحدى عشرة قبيلة ، بينما وزعت القبيلة الاثني عشر ، وهي قبيلة لاوي رهط موسى ، على القبائل الأخرى للخدمة الدينية ، وهذه القبائل كانت بدورها تقسم إلى عشائر ، ولكنها تتجمع حول هيكل مركزي في «شيلوه» الأمر الذي دفع بعض العلماء إلى أن يقارن هذا النظام القبلي العبراني بمجلس «الأمفكتيون» اليوناني (Amphictyony) والذي يقوم على مبدأ مماثل من المركزية الدينية ، وكانت سلطة الكاهن الأكبر عظيمة ، ولكن من المبالغة أن نزعم وجود حكومة «ثيوقراطية» فإن سلطته لم تكن سياسية ، وإنما كان يتصدر القوم أثناء الأزمات الأزمات زعماء محليون هم «القضاة» الذين حكموا بني إسرائيل طوال القرن ونصف القرن التاليين لدخولهم فلسطين ، وكانت سلطة القضاة عارضة محدودة المدى والمدة ، وهي في هذا النظام تذكرنا بسلطة زعماء النظام البدوي الذي تتميز به الحياة السامية في مراحلها الأقدم عهدا (١).
ولم يكن القضاة قضاة بالمعنى المفهوم ، ولم يكونوا مشرعين بالمعنى القديم ، وإنما كانوا طبقة من الأبطال المحاربين والمنقذين أقامهم الرب «ليخلصوهم من يد ناهبيهم» ، ولم يكونوا خلفاء لبعضهم البعض ، بل إننا
__________________
(١) يشوع : ٨ / ١ ، ٨ ، ١٠ ، موسكاتي : الحضارات السامية القديمة ص : ١٤ ـ ١٤١ ، وكذاM.F.Unger وكذاM.Noth ,Das System der Zwolf Staemme Israels , ٦٠ ـ ٣٩.p ، ١٩٣٠.Op ـ Cit ,P. ١٠١٥.