ومنها (خامسا) أن الله تعالى جعل لسليمان عليهالسلام سلطة على طائفة من الجن (١) ، يسخر من يشاء منهم في الأعمال الشاقة ، ويقيد من يشاء في الأغلال ليكف شرهم عن الناس ، كما قال تعالى : (وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ، وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) ، ولم يكن هذا التسخير لأحد من الأنبياء غير سليمان عليهالسلام ، وذلك غاية العظمة ونهاية الملك والسلطان لملوك الدنيا ، فلم ينل أحد من الملوك ما ناله سليمان عليهالسلام ، نبي الله ورسوله ، روي البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن عفريتا من الجن تفلت على البارحة ليقطع على صلاتي ، فأمكنني الله منه فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم ، فذكرت دعوة أخي سليمان «رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد بعدي» فرددته خاسئا» (٢) ، ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه كان في مكنة سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يربط العفريت ، كما هو واضح من لفظ الحديث الشريف ، وكما في حديث أبي الدرداء عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ثم أردت أن آخذه ، والله لو لا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به صبيان أهل المدينة» (٣) ، وكما في حديث أبي سعيد الخدري عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لو
__________________
(١) يقول الإمام الفخر الرازي في تفسير قوله : «فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين» أن الآية (سبأ : آية ١٤) تبين أن الجن لا يعلمون الغيب ، إذ لو كانوا يعلمونه لما بقوا في الأعمال الشاقة ظانين أن سليمان حيّ ، وقوله : «ما لبثوا في العذاب المهين» دليل على أن المؤمنين من الجن لم يكونوا في التسخير ، لأن المؤمن لا يكون في زمان النبي في العذاب المهين (تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٢٥٠).
(٢) انظر : صحيح البخاري ٤ / ١٩٧ ، صحيح مسلم ١ / ٣٨٤ ، وانظر رواية أخرى للحديث الشريف عن أبي الدرداء (صحيح مسلم ٢ / ٧٢ ، سنن النسائي ٣ / ١٣) وثالثة للإمام أحمد في المسند (٣ / ٨٣) عن أبي سعيد الخدري (انظر تفسير ابن كثير ٤ / ٥٦ ـ ٥٧ (ط بيروت ١٩٨٦).
(٣) صحيح مسلم ٢ / ٧٢.