نزيد هذا إيضاحا حتى لا ندخل في أساطير لا ضابط لها ولا تحقيق (١).
ومنها (رابعا) أن الله تعالى سخر لسليمان طائفة من الجن ومردة الشياطين يعملون له الأعمال التي يعجز عنها البشر ، كبناء الصروح الضخمة والقصور العالية والقدور الراسيات ، والجفان التي تشبه الأحواض ، كما قال تعالى : (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ، وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ ، يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ ، اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (٢) ، هذا والمحاريب ، كما هو معروف ، من أماكن العبادة ، والتماثيل الصور من نحاس وخشب وغيره ، والجواب جمع جابية وهي الحوض الكبير الذي يجبى فيه الماء ، وقد كانت الجن يصنعون لسليمان جفانا كبيرة للطعام تشبه الجوابي ، قيل كان يجتمع على جفنة واحدة ألف نفس ، كما كانت تصنع له قدروا ضخمة للطبخ راسية لضخامتها ، لا تنقل لكبرها ، وإنما يغرف منها في تلك الجفان ، وهذه كلها نماذج مما سخر الله الجن لسليمان لتقوم له به حيث شاء بإذن الله ، وكلها أمور خارقة لا سبيل إلى تصورها أو تعليلها ، إلا بأنها خارقة من صنع الله ، وهذا هو تفسيرها الواضح الوحيد (٣). وقال تعالى : (وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) ، وهذا العمل فيه احتمال قوي أن يكون من قبيل المعجزات ، بل هو معجزة ، ذلك لأن التحكم في جماعات الشياطين واستخدامهم في الغوص ، وعمل الأعمال التي دون الغوص ، وحفظ الله تعالى لهم ، ليكونوا تحت أمره عليهالسلام خاصة ، إنما هو أمر ظاهر في الإعجاز (٤).
__________________
(١) في ظلال القرآن ٥ / ٢٨٩٨.
(٢) سورة سبأ : آية ١٢ ـ ١٣.
(٣) في ظلال القرآن ٥ / ٢٨٩٩. وانظر : تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٢٤٨.
(٤) عويد المطرفي : المرجع السابق ص ٧٨.