وجوه ، منها (أولا) أن تفرق ذلك الماء معجزة ، وثانيا : أن اجتماع ذلك الماء فوق كل طرف منه حتى صار كالجبل من المعجزات أيضا لأنه كان لا يمتنع في الماء الذي أزيل بذلك التفريق أن يبدده الله تعالى حتى يصير كأنه لم يكن ، فلما جمع على الطرفين صار مؤكدا لهذا الإعجاز ، وثالثا : أنه إن ثبت ما روى في الخبر أنه تعالى أرسل على فرعون وقومه من الريح والظلمة ما حيّرهم ، فاحتبسوا القدر الذي يتكامل معه عبور بني إسرائيل ، فهو معجز ثالث ، ورابعا : أن الله تعالى جعل في تلك الجدران المائية كوى ينظر منها بعضهم إلى بعض ، فهو معجز رابع ، وخامسا : أن أبقى الله تعالى تلك المسالك حتى قرب منها آل فرعون وطمعوا منها آل فرعون وطمعوا أن يتخلصوا من البحر ، كما تخلص قوم موسى ، فهو معجز خامس (١).
وهكذا نستطيع أن نصل من ذلك كله إلى نتيجة واحدة هي : أن انغلاق البحر لموسى عليهالسلام ، لا علاقة له ببني إسرائيل فتلك معجزة نبي ، كما أن غرق فرعون لم يكن تكريما للإسرائيليين ، فتلك عاقبة من أصر على كفر ، ولم يؤمن بالله الواحد الأحد ، بل وتجاوزه لكل الحدود البشرية ، فقال : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) (٢) ، ثم يهدد النبي الكريم (قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) (٣) ، وأخيرا اندفاعه في العذاب وإسرافه في القتل للمذنب وغير المذنب على سواء ، وأما حساب بني إسرائيل فعسير عند الله تعالى ، حتى أنه عزوجل ، ليكتب على هؤلاء الذين أنجاهم من فرعون أن يتيهوا في الأرض أربعين عاما ، ثم يحرم عليهم الأرض المقدسة أبدا (٤).
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٩.
(٢) سورة القصص : آية ٣٨.
(٣) سورة الشعراء : آية ٢٩.
(٤) سورة المائدة : آية ٢١ ـ ٢٦ ، سفر العدد ٤ / ٣٤ ، أعمال الرسل ٧ / ٢٦ ، ٤٢.