« يا ابن رسول الله لم هادنت معاوية وصالحته ، وقد علمت ان الحق لك دونه ، وان معاوية ضال باغ؟ ».
فأجابه :
« يا أبا سعيد ألست حجة الله تعالى على خلقه واماما عليهم بعد أبي؟ » قال : « بلى » ، قال : « الست الذي قال رسول الله لي ولا حي : الحسن والحسين امامان قاما أو قعدا؟ » قال : « بلى » ، قال « فأنا اذاً امام لو قمت وأنا امام اذا قعدت ».
« يا ابا سعيد ، علة مصالحتي لمعاوية ، علة مصالحة رسول الله لبني ضمرة وبني أشجع ولاهل مكة حين انصرف من الحديبية ، اولئك كفار بالتنزيل ، ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل ».
« يا أبا سعيد ، اذا كنت اماما من قبل الله تعالى ذكره ، لم يجب ان يسفّه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة ، وان كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا ، ألا ترى الخضر لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار ، سخط موسى فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه ، حتى أخبره فرضي ، هكذا أنا ، سخطتم عليَّ بجهلكم وجه الحكمة ، ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الارض أحد الا قتل (١) ».
اقول : وللحسن من فصيلة هذا الجهاد ، جهاد اخر مثله ، مع فصيلة أخرى من الناس ، هم الامويون أنفسهم [ وسنشير اليه قريبا ].
وهذه وحدها خمسة ميادين ، أفنى الحسن عليهالسلام فيها عمره الشريف وتحمل همومها بقوة ثابتة ، وجلد عنيف.
ولم يبق ميدان للجهاد ، لم يبرز الحسن فيه للنضال.
وانه اذ ينزل عن سلطان ملكه ، انما يجاهد في الله من هذا الطريق ابقاءً على الاسلام ، وتيسيرا لحياة المسلمين ، ودفعا للقتل عن المؤمنين ، وهو
__________________
١ ـ البحار ( ج ١٠ ص ١٠١ ).