وعلى ضوء هذا التقريب ، نفهم معنى قول
الامام الحسن : « ولو كنت بالحزم في أمر الدنيا وللدنيا أعمل وأنصب ما كان معاوية
بأبأس مني وأشد
شكيمة . ولكان رأيي
غير ما رأيتم ».
أجل ، وهذا هو المظنون ، لو أراد الحسن
الدنيا.
ولكن الشيء المعلوم ،هو أن الامام الحسن
بن علي عليه وعلى أبيه السلام كان بشرا آخر غير هذا.
انه كان من ذلك النوع الذي لا يطلّ على
هذا العالم ، الا في فترات معدودة من الزمان ، فتستروح البشرية من شمائله مُثُلَها
، وتترسم بهداه النقي الفاضل سعادتها.
انه كان يفهم من الشرف معنى خاصا ،
مزيجا من عزة النفس ومصالح الدين ، فلا الملك ولا المال ، ولا المتع الملذوذة في
الدنيا ، مما يدخل في حساب الشرف عنده.
وكانت عصمته عن الرجس كما يصفها الكتاب
، وروحيته المثالية التي تملأ ذلك الاهاب ، تمنعانه النزول عن شموخ هذا الشرف ،
الى الحضيض من رغبات الملك الزائل ، واللُّبانات المنغَّصات ، مع ما يستلزم ذلك من
الصدوف عن الله وعن كتبه ورسله واليوم الاخر ، ولن يكون الرجل الدنيوي الا متغاضيا
عن اولئك جميعا أو مغاضبا لهم.
وكان معنى ربح الموقف ، عن طريق هذه
الاساليب الملتوية ، الخسارة الكبرى ، في حياة هذا النوع من ذروات المثالية وأعالي
الناس.
__________________