الفرار ، وعملاء لا
يفتأون يبعثون الفتن ويبثون افظع الاخبار.
وهكذا بلغ معاوية « بفتنه » ما أراد ،
وبات الجيشان كلاهما طمعة الاضطرابات والحوادث المؤسفة التي لا تناسب ساحة قتال.
وما مني الاسلام منذ ضرب بجرانه على
جزيرة العرب ، بأفظع من هذه النكبة التي يترنح بها موقف الخلافة الاسلامية ، بين تثاقل
الجنود ، وتخاذل الزعماء وخيانة القائد ، وفتن العدو!.
انها الظروف القاهرة التي بدأت تنذر
باكداس من الخطوب وألنكبات والتي ستجر حتما الى نهاية تاريخ قصير ، كان انصع وأروع
صفحات التاريخ الاسلامي ، وابعدها ارتفاعا في المجد ، وأقربها اسبابا الى الفخر.
انها الكارثة التي تؤذن باللحظة
المشؤومة في تاريخ الاسلام ، اللحظة القائمة على عملية الفصل بين العهدين ، عهد
الخلافة بمميزاتها ومثاليتها ، وعهد « الملك المعضوض » وبلائه المقدَّر المفروض.
وكان الحسن عليهالسلام ، أعرف الناس بقيم هذه المعنويات
المهددة وأحرص المسلمين على حفظ الاسلام ، والرجل الحديدي الذي لا تزيده النكبات
المحيطة به ، الا لمعانا في الاخلاص ، واتقادا في الرأي ، واستبسالا في تلبية
الواجب ، وتفاديا للمبدأ.
ولم يكن لتساوره الحيرة ، على كثرة ما
كان في موقفه من البواعث عليها ، ولا وجد في صدره حرجا ولا تلوّما ولا ندما ، ولكنه وقف
ليختار الرأي ، وليرسم الخطة ، وليتخذ التدابير.
وكان لابد لاصطفاء الرأي ، من دراسة
سائر الاراء.
وذلك ما نريد أن نسيمه : « موقف الحيرة
».
__________________