الفرار ، وعملاء لا يفتأون يبعثون الفتن ويبثون افظع الاخبار.
وهكذا بلغ معاوية « بفتنه » ما أراد ، وبات الجيشان كلاهما طمعة الاضطرابات والحوادث المؤسفة التي لا تناسب ساحة قتال.
وما مني الاسلام منذ ضرب بجرانه على جزيرة العرب ، بأفظع من هذه النكبة التي يترنح بها موقف الخلافة الاسلامية ، بين تثاقل الجنود ، وتخاذل الزعماء وخيانة القائد ، وفتن العدو!.
انها الظروف القاهرة التي بدأت تنذر باكداس من الخطوب وألنكبات والتي ستجر حتما الى نهاية تاريخ قصير ، كان انصع وأروع صفحات التاريخ الاسلامي ، وابعدها ارتفاعا في المجد ، وأقربها اسبابا الى الفخر.
انها الكارثة التي تؤذن باللحظة المشؤومة في تاريخ الاسلام ، اللحظة القائمة على عملية الفصل بين العهدين ، عهد الخلافة بمميزاتها ومثاليتها ، وعهد « الملك المعضوض (١) » وبلائه المقدَّر المفروض.
وكان الحسن عليهالسلام ، أعرف الناس بقيم هذه المعنويات المهددة وأحرص المسلمين على حفظ الاسلام ، والرجل الحديدي الذي لا تزيده النكبات المحيطة به ، الا لمعانا في الاخلاص ، واتقادا في الرأي ، واستبسالا في تلبية الواجب ، وتفاديا للمبدأ.
ولم يكن لتساوره الحيرة ، على كثرة ما كان في موقفه من البواعث عليها ، ولا وجد في صدره حرجا (٢) ولا تلوّما ولا ندما ، ولكنه وقف ليختار الرأي ، وليرسم الخطة ، وليتخذ التدابير.
وكان لابد لاصطفاء الرأي ، من دراسة سائر الاراء.
وذلك ما نريد أن نسيمه : « موقف الحيرة ».
__________________
١ ـ قال الدميري ( ج ١ ص ٥٨ ) بوعد ان ذكر خلافة الحسن عليهالسلام وأحصى ايامها : « وهي تكملة ما ذكره رسول الله (ص) من مدة الخلافة ، ثم تكون ملكا عضوضا ثم تكون جبروتا وفسادا في الارض ، وكان كما قال رسول الله (ص) .. ».
٢ ـ قال ابن كثير ( ج ٨ ص ١٩ ) : « وهو ـ يعني الحسن عليهالسلام ـ في ذلك ، الامام البار الراشد الممدوح ، وليس يجد في صدره حرجا ولا تلوما ولا ندما بل هو راض بذلك ، مستبشر به ».