وبلغت البالغات في
تهويل هذه الاخبار بين حلقات هذا الجيش رقمها القياسي. وفي هذا الجيش كثرة ساحقة
من رعاع أهل السواد ومن اخلاط الناس ومختلف الاحزاب. وفيه ـ الى هؤلاء وأولئك ـ
البهاليل من الهاشمين اليمامين ، والكتل المخلصة من ربيعة وهمدان.
وكادت الرجة العاتية أن تجتاح المعسكر ،
لولا هذه الاطواد الراسية في مختلف أكنافه ، الاطواد التي كانت تتكسر على صخرتها
شتي المحاولات التي كان يتسرع اليها المتوثبون الى الفتنة.
اما الحسن نفسه ، فقد قابل هذه المزعجات
بالامل الذي يعمر القلوب القوية والنفوس الخالدة ، وكان يرى ان الاخفاق في ظرف خاص
أو مكان خاص ، لا يعني الحرمان من الازدهار والاثمار اخيرا في ظرف لا يجب ان يكون
هو ـ بشخصه ـ صاحبه ، ولكن « بمبدئه » ، وثمة نقطة التركز في أهداف الحسن ـ مخفقا
او منتصرا ـ وثمة مركز التجلي « الرباني » الذي تنشق عنه الانسانية في شخصية هذا
الامام الروحي ، بأفضل ما قدر لها من مراتب الانسياح في ذات الله ، والفناء في
سبيل الله.
ثم انه لم يزل على نشاطه الموفور ، في
تدوير دولاب حركته وجهاده وجيوشه ، رغم ما كان يحسه من وميض الفتنة الذي أخذ يستعر
تحت رماد الاحدات المتعاقبة بين يديه. ولم يسمع منه كلمة واحده تتجاوز به الى جحمة
غضب ، أو تدل بحدتها على ما كان يشيع في نفسه من بلاغة الخطب ، وروعة التشاؤم ،
والنقمة على الوضع ، اللهم الا كلماتة التوجيهية التي كان يقصد بها تدريب جماهيره
على النظام ، وتعليمهم الاتزام بقواعد « الجهاد » في الاسلام.
ودار بوجه الى كوفته ، كأنه يتذكر شيئا
، أو يستعرض اشياء عقت الكوفة بها أياديه عندها وأيادي أبيه من قبل. وكان ابوه هو
باعث مجدها ، ومؤسس كيانها المستطيل الشامخ ، الذي باتت تتمتع به كأعظم حاضرة في
العالم الاسلامي ، تلتقي عندها حضاراته ، وتثوب اليها شعوبه من مختلف