فلأنّه لو كان المراد بالمعصية ما لا يكون فيه مقتضي الصّحة لم يكن للتّمثيل بالنّكاح في العدة وجه لوجود المقتضي للصّحة فيه وأقله عموم أوفوا بالعقود وغير ذلك فتأمّل وإذا فالتّحقيق هو اقتضاء الفساد
تنبيهات
أحدها قد عرفت أنّ النّهي في المعاملات إمّا يتعلق بها بعنوان آخر وإمّا يتعلق بها لمبغوضيّة أثرها وإمّا يتعلق بنفس الأثر وإمّا يتعلق بها إرشادا إلى فسادها وإمّا يتعلق بها لذاتها فإن علم كون النّهي من أحد الأقسام فلا كلام وأمّا إذا اشتبه الأمر فهل يحمل النّهي على أي الوجوه فنقول أمّا الوجه الثّالث فهو لا يشتبه أصلا لتعلّق النّهي بالأثر فهو خارج عن محل الكلام وأمّا بقيّة الأقسام فالوجه الأوّل والثّاني خلاف ظاهر النّهي لأنّ الظّاهر منه إذا تعلق بالمعاملة أن يكون ذات المعاملة متعلقا له لا عنوان آخر وأيضا الظّاهر عدم كونه نهيا غيريا بواسطة مبغوضيّة الأثر وأمّا الوجهان الآخران فلا ثمرة في تعيين أحدهما بالنّسبة إلى الفساد بعد ما ثبت من دلالة كليهما على الفساد ولكن يثمر في كيفيّة الحرمة فإنّها على الأوّل بدعيّة وعلى الثّاني ذاتيّة ولكن مقتضى أصالة الحقيقة حمل النّهي على التّحريم إلاّ أن يدعى غلبة استعماله في الإرشاد وهو في المعاملات ممنوع
الثّانية ذهب أبو حنيفة إلى أنّ النّهي يدل على صحة المنهي عنه لأنّه موضوع للصحيح ويجب كون المنهي عنه مقدورا فيدل على قدرة الشّخص بعد النّهي على الإتيان بالمنهي عنه صحيحا وفساده ظاهر أمّا أوّلا فلأنّ الكلام في هيئة النّهي والصّحة فيما ذكره لو تمت فإنّما هي من جهة المادة وأمّا ثانيا فلأنّ كلامه في العبادات لا يتم بوجه لمنع كونها أسامي للصحيح ولو سلم كما هو المحقق فإن أراد من دلالة النّهي على صحته أنّه موافق للأمر فظاهر البطلان لامتناع اجتماع الأمر والنّهي مطلقا خصوصا في المنهي عنه لذاته فيكون هذا قرينة على إرادة الأعمّ لا الصّحيح وإن أراد أنّه تام الأجزاء والشّرائط فنقول إنّ النّهي لا يمكن أن يتعلق بما يكون تام الأجزاء والشّرائط لأنّه مأمور به فهذا قرينة على نقصان بعض الشّروط والأجزاء فيكون مستعملا في الأعمّ مجازا أو أنّ ذلك قرينة على إرادة الإرشاد إلى عدم المقدوريّة نظير قوله إذا لم تستطع أمرا فدعه لا يقال إنّ الصّلاة في الدّار المغصوبة مأمور بها نسيانا محرمة عمدا مع أنّ شرائط الصّلاة وأجزاءه لا يختلف بتذكّر الغصب أو نسيانه فقد تعلق النّهي بعين ما تعلق به الأمر لأنّا نقول الغصب هو الاستيلاء على مال الغير عدوانا وعند النّسيان يرتفع العدوان فيرتفع الغصبيّة فلم يتحد مع المنهي عنه وأمّا في المعاملات فإنّما يتم كلامه لو قلنا بوضعها للصحيح الشّرعي وهو ممنوع
الثّالثة لا ريب أنّ الفساد والصّحة لا يتبعضان بالنّسبة إلى طرفي المعاملة فإذا فسد المعاملة إيجابا أو قبولا فسد من الجانب الآخر هذا بحسب الواقع وأمّا بحسب الظّاهر فيمكن التّبعض كما لو اعتقد الموجب فساد العقد بالفارسيّة ومع ذلك عقد بها مع من يعتقد صحتها فإنّ العقد الصّحيح بالنّسبة إلى القابل في الظّاهر بمعنى أنّه يترتب عليه أحكام الصّحيح وفاسد بالنّسبة إلى الموجب وذلك لأنّ من اعتقد صحة ذلك فهو صحيح عنده وإن صدر ممن اعتقد الفساد لأنّ اعتقاد الفساد