المضيقين إذا حكم فيهما بالتّخيير فلا ريب أنّ الواجب حينئذ هو المجموع فيكون ضد المجموع منهيّا عنه وكل واحد منهما ليس ضدا للواجب بل الكل نفس الواجب فإنّ الواجب أحدهما على سبيل البدل لا الفرد الخاص فإن قلت هذا إنّما يصح على مذهب الأشاعرة في الواجب التّخييري من أنّ الواجب هو أحد الأبدال لا بعينه وأمّا على المشهور من وجوب كل منهما على البدل فلا يصح ذلك إذ يصدق على كل منهما أنّه ضد الواجب وهو الفرد الآخر مع أنّه ليس بمنهي عنه فلا يكون شيء من الأضداد بمنهي عنه في هذا القسم وإلاّ لكان تخصيصا في المسألة من غير حجة قلنا هذا ليس من التّخصيص في شيء فإن ما يقتضي النّهي عن الضّد في الأمر هو اعتبار المعنى الذّي في مدلوله وهو المنع من التّرك وما يتصور في الواجب التّخييري من المنع عن التّرك إنّما هو المنع عن مجموع التّركين لا المنع من كل من التّركين لا إلى بدل وإلاّ لزم تعدد العقاب عند ترك الجميع لتحقق كل من التّركين حينئذ لا إلى بدل وعلى هذا فالنّهي يتعلق بما يضاد هذا المعنى أعني ما يتحقق به مجموع التّركين وهو غير الواجبين فإنّ بكل منهما يتحقق الواجب فلا يكون ضدا حتى يلزم من عدم النّهي تخصيص في المسألة هذا وإذا حكم فيهما بتقديم الأهم فالجواب أوضح لأن ما ذكره في وجهه من كفاية عدم الأمر في الفساد قد عرفت فساده ثم إنّ ما ذكره من عدم جواز حمل المضيقين على الوجوب التّعيني قد ناقش فيه بعض الأفاضل فجوز تعلق التّكليف بهما معا على التّرتيب بأن يكون وجوب أحدهما مطلقا ووجوب الآخر معلقا على معصيته فيكون كل منهما واجبا ومأمورا به بهذا الوجه ويكون داخلا في محل النّزاع وسيأتي تحقيقه مفصلا إن شاء الله إذا تمهدت هذه المقدمات فنقول اختلفوا في المسألة على أقوال أربعة الاقتضاء بالعينيّة والتّضمن والالتزام ونفي الاقتضاء رأسا وقبل الشّروع في المطلب لا بد من تصوير جريان الأقوال المذكورة في المسألة فنقول هنا إشكالان أحدهما أنّ
القول بالعينيّة والتّضمن كيف يمكن في الضّد الخاص إذ لا يشك عاقل أن لا تأكل مثلا ليس عين صلّ ولا جزءا له والثّاني أنّ نفي الاقتضاء لا يتصور في الضّد العام فإنّه ينافي الوجوب إذ ليس الوجوب إلاّ المنع عن التّرك ودفع الأوّل يحتاج إلى بيان أمرين أحدهما أنّ النّهي عن الضّد على القول به لا يفيد الحرمة الغيريّة بأن يكون الضّد حراما للتوصل إلى الغير كما في وجوب المقدمة فإنّ ترك الضّد العام ليس مقدمة للفعل لأنّه عينه فليس واجبا للغير وأمّا الضّد الخاص فإن قلنا بأنّ النّهي عنه إنّما هو لكون تركه مقدمة كان حراما غيريّا وإن قلنا بوجوب تركه من جهة عدم جواز اختلاف المتلازمين في الحكم فلا لأنّ وجوب أحد المتلازمين ليس توصليّا وثانيهما أنّ الحكم قد يكون ثابتا للشيء بنفسه سواء كان ذلك الحكم نفسيّا أو غيريّا وقد يكون ثانيا له بواسطة غيره فيكون ذلك الغير واسطة في عروض ذلك الحكم لذلك الشّيء نظير السّفينة لحركة الجالس فيها ويسمى حكما عرضيّا كوجوب الجزء بوجوب الكل فإنّه وجوب واحد يعرض للكل أصالة وللجزء عرضا والوجوب بهذا المعنى واقع حتى أن بعضهم جعل وجوب المقدمة من هذا القبيل فإنّه تعدى من المقدمة إلى لوازم الواجب