ولا يفرض فيها الوجوب التّوصلي فيعلم أنّ مراده الوجوب العرضي ومن هنا توهم بعضهم فحكم بخروج المقدمات الدّاخلة عن محل النّزاع في المسألة السّابقة زعما منه أن النّزاع إنّما هو في الوجوب العرضي وهو لا يقبل الإنكار في أجزاء الواجب إذا عرفت ذلك فنقول يمكن تصحيح القول بالعينيّة بأن ترك الأكل واجب بعين وجوب الصّلاة بالعرض بمعنى أنّ الأمر يدل على وجوب الصّلاة ذاتا وعلى وجوب ترك الأكل عرضا ووجوب التّرك عين حرمة الفعل وتصحيح التّضمن فيه بأن معنى الوجوب هو طلب الشّيء مع المنع عن تركه فالمنع من التّرك جزء للوجوب والتّرك لازم لفعل الضّد فالمنع يرد عليه بالعرض فالمنع عن الضّد الخاص جزء للوجوب لا لمفهومه بل للمراد فالأمر بالشيء يدل على النّهي عن الضّد الخاص بالتّضمن ولكن جعل النّزاع في الحكم العرضي يأباه كلام القوم بل لا يصح لأن ينكره أحد إلاّ أن يجعل النّزاع لفظيّا بمعنى أن المثبت يثبت الحكم العرضي والنّافي ينفي النّهي الأصلي وهو أبعد ولبعض المحققين في بيان الدّليل على الاقتضاء في الضّد الخاص كلام يفيد تصور القول بالتّضمن فيه فإنّه قال إنّ معنى الوجوب هو طلب الفعل مع المنع من التّرك والتّرك أمر عدمي لا يتعلق به الحكم من الطّلب والمنع بل يرد الحكم على منشإ انتزاعه وهو الأفعال الوجوديّة الملازمة له فيكون المنع عن الضّد الخاص جزءا للوجوب وذكر نظير ذلك في تقوية شبهة الكعبي من أنّ النّهي عن الزنا معناه طلب ترك الزنا والتّرك لا يكون مطلوبا بل المطلوب الأفعال الملازمة للترك يعني الأفعال المباحة كما يقوله الكعبي وبالجملة مقتضى كلامه القول بالتّضمن ولا يمكن حمل كلامه على القول بالعينيّة لأنّ النّهي عن التّرك عنده ليس فيه معنى الطّلب بخلاف الأمر إذ لو اعتبر فيه الطّلب لكان إمّا الطّلب الجنسي الذّي كان في مدلول الأمر أو غيره والثّاني مستلزم لاستفادة طلبين من أمر واحد وهو فاسد وعلى الأوّل إمّا أن يتعلق بفعل الضّد فيلزم طلب الضّدين أو بتركه فيعود المحذور الذّي فر منه أعني تعلق الطّلب بالتّرك ولا يرد أن القائلين بالعينيّة في الضّد العام تمسكوا بأنّ الطّلب الجنسي مأخوذ في حد النّهي لأنّهم لا يمنعون من تعلق الحكم بالتّرك ولا يخفى عليك ما في كلام المحقق من التّناقض لأنّه إمّا أن يعتبر الطّلب في معنى النّهي فيلزم عليه المحذور الذّي فر منه وهو طلب التّرك وإمّا أن لا يعتبر ذلك بل يجعله بمعنى المنع المجرد عن الطّلب فليجعل مثل لا تزن أيضا منعا مجردا ولا يجعله طلبا حتى لا يتصور تعلقه بالتّرك ويلزم تقوية شبهة الكعبي وأمّا الإشكال الثّاني فدفعه بعض العامة بأن النّزاع إنّما هو في الاقتضاء بنحو اللّزوم البين بالمعنى الأخص وهو أن يلزم من تصور الملزوم تصور اللازم وهذا الاقتضاء مما يقبل المنع وفيه أن من ينفي الاقتضاء ينفيه مطلقا قبالا لخصمه المثبت له مطلقا إذ لا ريب في إطلاق كلام المثبتين والنّافي ناف لما يثبته الخصم وإلاّ لم يكن بينهما نزاع وحكي عن بعضهم كلام آخر في دفعه وهو أن من ينفي الاقتضاء يجوز التّكليف بما لا يطاق فيجوز الأمر بالشيء مع عدم النّهي عن تركه بل مع الأمر بتركه إذ غاية ما يلزم منه هو التّكليف بما لا يطاق وهو جائز عنده وفيه أنّ جواز التّكليف بما لا يطاق