فظهر ممّا ذكر أنّ المعتبر أنّ الغلّات بمجرّد وجودها ، يكون عشر الجميع مال الفقراء ، سواء استثنى المالك المؤن أم لا ، فإنّ كلّ من قال : بأنّ المؤن على جميع الشركاء ، قال : بأنّ المالك سلّط على الاستثناء ، ولا قائل بالفصل ، سواء استثنى أم لا ، إذ لا يوجب أحد الاستثناء ، بل لو لم يستثن المالك يكون أولى ، لكونه إحسانا إلى الفقراء ، وتفضّلا عليهم.
على أنّا نقول : جميع الفقهاء الأربعة من العامّة متّفقون على عدم الاستثناء ، وكون المؤن كلّها على المالك (١) ، فإذا كان جميع الفقهاء المذكورين كذلك ، فسلاطين العامّة وحكّامهم أيضا كذلك. بل وأشدّ فتكون العمومات التي ادّعيت على تقدير التسليم موافقة للعامّة ، أو من خوفهم لم يتعرّضوا للاستثناء فيها صريحا.
على أنّا نقول : مقتضى الأخبار الذي ذكره أنّ الحنطة مثلا بمجرّد صيرورته حنطة يصير عشرها مال الفقراء ، بعد تحقّق الشرط ، والباقي مال صاحبه ، ومقتضى ذلك كون مؤنة حصّة كلّ واحد على صاحبها ، لا أن يكون حصّة الفقراء أيضا على المالك.
والظاهر ؛ أنّه لا تأمّل في أنّ المالك له أن يقول للفقير أنت شريكي ، والعشر مالك ، فيكون مؤنته عليك ، كما هو الحال في مال الشركاء ، لكن نقلنا عن «المبسوط» (٢) ، مضافا إلى ما في «الخلاف» (٣) ما عرفت ، فتأمّل!
وإن جعل المراد أنّ بعد التصفية يصير العشر للفقير ، فمع أنّه ليس كذلك ، يصير حاله حال الصحيحة المذكورة وستعرفه.
والآن متعارف أنّ المؤن التي تحصل بعد صيرورة الحنطة حنطة تخرج عن
__________________
(١) المجموع للنووي : ٥ / ٤٦٧ ، المغني لابن قدامة : ٢ / ٣٠٤ المسألة ١٨٥٢.
(٢) المبسوط : ١ / ٢١٧.
(٣) الخلاف : ٢ / ٦٧ المسألة ٧٨.