وقد ذكرنا غير مرّة أنّ كلام الباقر عليهالسلام كان مرّ الحقّ من وجوه متعدّدة.
وقال الصادق عليهالسلام أيضا : «إنّ أبي كان يفتي بمرّ الحقّ وأنا أفتي بالتقيّة ، لأنّ أصحاب أبي ما كانوا يسألونه شكّاكا ويسألوني كذلك فأفتيهم بالتقيّة» (١).
ولعلّ المقام أيضا منه ، لأنّ الفرار بعد تعلّق الوجوب لا معنى له ، ولا يسمّى فرارا ، لأنّ الفارّ جزم بأنّه وجب عليه الزكاة بدّلها بغيرها أو لا ، أطاع وأمتثل أو لا.
مع أنّ جعل الدنانير والدراهم حليّا فيه ضرر عظيم ، بل مجرّد كسرها أيضا فيه الضرر العظيم الواضح ، ليس بأنقص من قدر الزكاة ، لو لم نقل بأنّه أزيد ، وأضرّ منه الهبة التي يجعلها في محلّ الخطر.
فالظاهر ؛ أنّه لأجل السنوات الآتية أيضا ، فكيف يقول : بأنّ من فرّ بها فعليه الزكاة على سبيل الإطلاق؟ فتأمّل!
مع أنّ السيّد كان مطّلعا على مذاهب العامّة ، ولم يكن كاذبا.
غاية ما يمكن أن يتأمّل فيه ، أنّه لا يكون إجماع كلّهم على ما قال ، لكن إجماع الجلّ والشهرة بينهم لا أقلّ منه ، وهو يكفي لترجيح أخباره.
مع أنّ حمل الأخبار المذكورة على الفرار بعد الوجوب غير مستقيم ، لأنّ الزكاة حينئذ زكاة الدنانير والدراهم لا زكاة الحلي ، فالاستثناء فيه ما فيه.
وأجاب الشيخ عنه ، بأنّ «لا» في جواب السؤال عن وجوب الزكاة في الحلي ، اقتضى أنّ كلّ ما يقع عليه اسم الحلي لا يجب عليه الزكاة ، سواء صنع قبل حلول الوقت أو بعده ، لدخوله تحت العموم ، فيقصد عليهالسلام بذلك إلى تخصيص البعض من الكلّ ، وهو ما صنع بعد حلول الوقت (٢) ، انتهى. ولا يخفى ما فيه.
قال في «الذخيرة» والأقرب في وجه الجمع حمل ما دلّ على وجوب الزكاة
__________________
(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٣٥ الحديث ٥٢٦ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٦٤ الحديث ٥١٠٨ مع اختلاف يسير.
(٢) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٠ ذيل الحديث ٢٧.