والقائل باستحباب السورة يكتفي بواحد منها في غير المقام ، وبناء فتواه واجتهاده على الاكتفاء ، وهذه طريقته من أوّل الفقه إلى آخره ، وظاهر أنّ كلّ مرجّح ومقوّ لدليل الوجوب موهن ومضعف لدليل الاستحباب ، فالصحيح المذكور مع جميع المضعّفات المذكورة التي لا تكاد تحصى ، فيه مضعف آخر ، وهو أنّ الحلبي المذكور روى هو بعينه أنّه «لا بأس بقراءة فاتحة الكتاب في الأوّلتين من الفريضة إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوّف شيئا» (١).
وهو صريح في أنّ إجزاء فاتحة الكتاب في الفريضة مشروط بشرط ، لا أنّه مطلق.
ومن المعلوم المحقّق المسلّم أنّ المطلق يحمل على المقيّد ، والمدار في الفقه على ذلك ، حتّى عند القائل بالاستحباب أيضا ، سيّما وأن يكون الراوي فيهما واحدا وكذا المروي عنه ، وأن يكون حديثه المقيّد ورد متعدّدا كثيرا عن جماعة ، كما عرفت سابقا.
وخصوصا أن يكون هناك أدلّة لا تكاد تحصى ، كلّ واحد منها يقتضي هذا القيد في الصحيح ، فضلا عن المجموع من الإجماعات والأخبار ، وطريقة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام : وغير ذلك ممّا عرفت ، وكذلك المرجّحات ، مضافا إلى قاعدة لزوم حمل المطلق على المقيّد.
فلعلّ في الصحيح كان المقام مقام ذكر الإجزاء في الجملة من دون اقتضاء ذكر الشرط والقيد ، كما هو الحال في مطلق المطلقات المقيّدة ، مع أنّه كما وقع السقط في السند ربّما كان وقع السقط في المتن في مقام تقطيع الأحاديث وأخذها من أصل
__________________
(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٧١ الحديث ٢٦١ ، الاستبصار : ١ / ٣١٥ الحديث ١١٧٢ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤٠ الحديث ٧٢٨٧ مع اختلاف يسير.