شق القميص إلا أنا لا ندرى أيّكما كان قدام صاحبه ، فإن كان شق القميص من قدام فصدقت فى دعواها أنه أراد بها سوءا ، إذ الذي يقبله العقل أنه لما وثب عليها أخذت بتلابيبه فجاذبها فانقدّ قميصه وهما يتنازعان ويتصارعان ، وهو من الكاذبين فى دعواه أنها راودته فامتنع وفرّ هاربا فتبعته وجذبته تريد إرجاعه ، وإن كان قميصه قدّ من الخلف فكذبت فى دعواها أنه هجم عليها يريد ضربها ، وهو من الصادقين فى قوله : أنه فرّ هاربا منها.
روى أن هذا الشاهد كان صبيا فى المهد وأيدوه بما نقل عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «تكلم أربعة وهم صغار : ابن ما شطة فرعون ، وشاهد يوسف ، وصاحب جريج ، وعيسى ابن مريم» وما روى عن أبى هريرة قال «عيسى بن مريم وصاحب يوسف وصاحب جريج تكلموا فى المهد»
وهذا موقوف لا يصلح الاحتجاج به ، والأول قد ضعفه رجال الحديث ، إلا أنه لو نطق الطفل بهذا لكان قوله كافيا فى تفنيد زعمها دون حاجة إلى الاستدلال بتمزيق القميص ، لأنه من الدلائل الظنية ، وكلامه فى المهد من الدلائل اليقينية ، وأيضا لو كان كذلك لما كان هناك داع إلى قوله : من أهلها الذي ينفى التحامل عليها ويمنع إرادة الضربها ، وأيضا فإن لفظ (الشاهد) لا يقع عرفا إلا على من تقدمت معرفته لما يشهد وإحاطته به.
(فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) أي فلما نظر إلى القميص ورأى الشق من الخلف أيقن بصدق قوله واعتقد كذبها ، وقال إن هذا محاولة للتنصل من جرمها باتهامها له بضروب الكيد المعروفة عن النساء ، فهو سنة عامة فيهن ، فهن يجتهدن فى التبري من خطاياهن ما وجدن إلى ذلك سبيلا ، وكيد النساء عظيم لا قبل للرجال به ، ولا يفطنون لحيلهن حتى يدفعوها قدر المستطاع ، ولا شك أن هذه شهادة من قريب لها لا يتهم بالتحامل عليها ولا بظلمها وتجريحها برميها بما هى منه براء.
(يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) أي يا يوسف