بالإغواء ، ويفسدوا عليهم فطرتهم ، فتنقلب عواطف ود الوالدين من رأفة ورحمة إلى قسوة ووحشية ، فينحر الوالد ولده ويدفن بنته الضعيفة بيده وهى حية.
والدين الذي لبسوه وخلطوه هو ما كانوا يدّعونه من دين إسماعيل وملة إبراهيم عليهما السلام ، وقد اختلط عليهم بما ابتدعوه من تقاليد الشرك حتى لم يعرف الأصل الذي كان يتبع من هذه الإضافات التي ضموها إليه.
(وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) أي ولو شاء الله أن يخلق الناس مطبوعين على عبادته طبعا لا يستطيعون غيرها كالملائكة ، فلا يؤثّر فيهم إغواء ولا تجدى فيهم وسوسة ـ لفعل ، ولكن شاء أن يخلقهم مستعدين للتأثر بكل ما يرد على أنفسهم من الأفكار والآراء ، وما يشاهدون من المحسوسات ، واختيار ما يترجح عندهم أنه الخير على ما يقابله ، ومن ثم يؤثّر فى نفوسهم ما يستفيدونه بالتعليم والاختيار والمعاشرة والمخالطة ، والناس يتفاوتون فى هذا جدّ التفاوت ، فلا يمكن أن يكونوا على رأى واحد أو دين واحد.
فدعهم أيها الرسول وما ينتحلونه من شرائع ، وما يفترون من عقائد ، وعليك بما أمرت به من التبليغ ، والله هو الذي يتولى أمرهم وله سنن فى هداية خلقه لا تتغير ولا تتبدل ، ومن سننه أن يغلب الحق الباطل.
ثم ذكر نوعا ثالثا من آرائهم الفاسدة فقال :
(وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ ، وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها ، وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا) أي إنهم لغوايتهم وشركهم قسموا أنعامهم وزرعهم أقساما ثلاثة :
(١) أنعام وأقوات من حبوب وغيرها تقتطع من أموالهم وتجعل لمعبوداتهم تعبدا وتدينا ، ويمتنعون من التصرف فيها إلا لها ، ويقولون هى حجر أي محتجرة للآلهة لا تعطى لغيرهم.