والخلاصة ـ إن
الله لا يظلم أحدا من خلقه ، بل هم الذين يظلمون أنفسهم ، وإن الإهانة والتعذيب
تربية لهم وتأديب وزجر لغيرهم ، وإن هذا العقاب للأمم منه ما هو فى الدنيا ومنه ما
هو فى الآخرة ، ومن الأول عذاب الاستئصال لمن عاندوا الرسل بعد أن جاءوهم بما
اقترحوا عليهم من الآيات الكونية ، وبعد أن أنذروهم بالهلاك إذا لم يؤمنوا بها كما
حصل لعاد وثمود ، وقد انقطع ذلك بانقطاع الرسل.
وهلاك الأمم
يكون بما يغلب عليها من الظلم أو الفسق والفجور الذي يفسد الأخلاق ويقطع روابط
المجتمع ويجعل بأس الأمة بينها شديدا.
وهذه الآية وما
شاكلها من قواعد الاجتماع التي سبق أن شرح جانبا منها بعض علماء الاجتماع من
المسلمين كابن خلدون ، لكن لم يستفد من ذلك من جاء بعده من علمائهم ، واستفاد منها
غيرهم ، كما لم يستفيدوا من هدى القرآن ومثله العليا فى إقامة ملكهم وحضارتهم بحسب
ما أرشدهم إليه من سنن الاجتماع فيمن قبلهم ، وإنهم لا يزالون غافلين عن هذا
الرشاد مع حاجة العصر إلى بذل أقصى ما يكون من الجهد فى هذا المضمار ، لأن الأمم
قد افتنّت فى الوصول إلى أغراضها بكل الوسائل التي يمكن أن يكفر فيها البشر ، كما
هى سنة تنازع البقاء.
ولا نرى من
المسلمين إلا معاذير لو تركوها لكان أحرى بهم وبما ينسبونه إلى دينهم كذبا وافتراء
، إذ يعتذرون تارة عن ضعف أممهم وتقصيرها بأن كل شىء بقضاء وقدر ، ولو سلّم لهم
هذا لكان الناس مجبورين فى أعمالهم لا مختارين ، وقواعد الدين تأبى هذا ،
والتكاليف الشرعية مؤسسة على غير ما يقولون.
وأين كان هذا
أيام أن كان المسلمون فى أوج عزهم يكافحون وينافحون ويتغلبون على من سواهم من
الأمم ويفتحون الممالك والأمصار ، وتخفق عليها بنودهم وأعلامهم
وتارة يسلون
أنفسهم بأن هذا من علامات الساعة ، وأنى لهم بها؟ وهل هم أوتوا من