فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٢٩))
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) أنّك نبي صادق فيما تخبر ، ونصب (شَهِيداً) على التفسير وقيل : على الحال ، والقطع ، ثمّ قال : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) تمّ الكلام هاهنا ، ثمّ قال مبتدئا : (وَالَّذِينَ مَعَهُ) (الواو) فيه (واو) الاستئناف (وَالَّذِينَ) في محل الرفع على الابتداء (أَشِدَّاءُ) غلاظ (عَلَى الْكُفَّارِ) لا تأخذهم فيهم رأفة. (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) متعاطفون متوادّون بعضهم على بعض كقوله تعالى : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) (١).
(تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ) أن يدخلهم جنّته (وَرِضْواناً) أن يرضى عنهم. (سِيماهُمْ) علامتهم (فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) واختلف العلماء في هذه السيماء ، فقال قوم : هو نور وبياض في وجوههم يوم القيامة ، يعرفون بتلك العلامة ، أنّهم سجدوا في الدّنيا ، وهي رواية العوفي ، عن ابن عبّاس ، وقال عطاء بن أبي رباح والربيع بن أنس : استنارت وجوههم من كثرة ما صلّوا.
وقال شهر بن حوشب : تكون مواضع السجود من وجوههم ، كالقمر ليلة البدر. قال آخرون : السمت الحسن ، والخشوع ، والتواضع ، وهو رواية الوالبي عن ابن عبّاس ، قال : أما إنّه ليس بالذي ترون ، ولكنّه سيماء الإسلام وسجيّته ، وسمته وخشوعه ، وقال منصور : سألت مجاهدا عن قوله سبحانه وتعالى : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ) ، أهو الأثر يكون بين عينيّ الرجل؟ قال : لا ربّما يكون بين عينيّ الرجل ، مثل ركبة العنز ، وهو أقسى قلبا من الحجارة ، ولكنّه نور في وجوههم من الخشوع ، وقال ابن جريج : هو الوقار ، والبهاء ، وقال سمرة بن عطية : هو البهج ، والصفرة في الوجوه ، وأثر السهرة. قال الحسن : إذا رأيتهم حسبتهم مرضى ، وما هم بمرضى ، وقال الضحّاك : أمّا إنّه ليس بالندب في الوجوه ، ولكنّه الصفرة.
وقال عكرمة ، وسعيد بن جبير : هو أثر التراب على جباههم. قال أبو العالية : يسجدون على التراب لا على الأثواب ، وقال سفيان الثوري : يصلّون بالليل ، فإذا أصبحوا رؤي ذلك في وجوههم ، بيانه قوله : صلىاللهعليهوسلم : «من كثر صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار» [٥٥] (٢).
قال الزهري : يكون ذلك يوم القيامة ، وقال بعضهم : هو ندب السجود ، وعلته في الجبهة من كثرة السجود.
__________________
(١) سورة المائدة : ٥٤.
(٢) الجامع الصغير : ٢ / ٦٤٠ ؛ كنز العمال : ٧ / ٧٨٣.