قيس ، عن الهرمل ، عن عبد الله قال : إنّ الرجل ليقاتل الناس ليرى مكانه ، وإنّ الرجل ليقاتل على الدنيا ، وإنّ الرجل ليقاتل ابتغاء وجه الله ، وإنّ الرجل ليموت على فراشه فيكون شهيدا ، ثم قرأ : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ).
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا محمّد بن خالد قال : حدّثنا داود بن سليمان قال : حدّثنا عبد بن حميد قال : حدّثنا أبو نعيم قال : حدّثنا سفيان بن ليث ، عن مجاهد قال : كلّ مؤمن صدّيق شهيد ، ثم قرأ هذه الآية ، يعني موصولة.
وقال ابن عباس في بعض الروايات : أراد بالشهداء الأنبياء خاصّة.
(لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) في ظلمة القيامة. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ * اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) : (ما) صلة مجازه (اعْلَمُوا).
(لَعِبٌ) باطل لا حاصل له (وَلَهْوٌ) : فرح ثم ينقضي (وَزِينَةٌ) منظر يتزيّنون به ، (وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ) : يفخر به بعضكم على بعض ، (وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) أي يتاه بكثرة الأموال والأولاد.
وقال بعض المتأوّلين من المتأخّرين : لعب كلعب الصبيان ، ولهو كلهو الفتيان ، وزينة كزينة النسوان ، وتفاخر كتفاخر الأقران ، وتكاثر كتكاثر الدهقان.
وقال عليّ بن ابي طالب لعمار بن ياسر : «لا تحزن على الدنيا ، فإن الدنيا ستّة أشياء : مطعوم ، ومشروب ، وملبوس ، ومشموم ، ومركوب ، ومنكوح. فأكبر طعامها العسل وهي بزقة ذبابة ، وأكبر شرابها الماء ويستوي فيه جميع الحيوان ، وأكبر الملبوس الديباج وهي نسجة دود ، وأكبر المشموم المسك ، وهي دم فأرة ظبية ، وأكبر المركوب الفرس وعليها يقتل الرجال ، وأكبر المنكوح النساء وهو مبال في مبال. والله إن المرأة ليزيّن أحسنها يراد به أقبحها» (١).
ثم ضرب جلّ ذكره لها مثلا فقال عزّ من قائل : (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ) أي الزّرّاع (نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً) فيبلى ويفنى (وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ) ، يعني : أو مغفرة (مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ * سابِقُوا) : سارعوا (إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها) : سعتها كعرض السماوات والأرض لوصل بعضها ببعض.
وقال ابن كيسان : عنى به جنّة واحدة من الجنان.
(أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ * ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ) بالجدب والقحط وذهاب الزرع والثمر (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) بالأوصاب والأسقام.
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١٧ / ٢٥٥.