وقال ابن الزبير وعكرمة وقتادة والضحاك : هو ما بين الحدّين : حدّ الدنيا وعذاب الآخرة ، وهي رواية العوفي والحكم بن عيينة عن ابن عباس ، وقال الكلبي : اللمم على وجهين ، كل ذنب لم يذكر عليه حدّا في الدنيا ولا عذابا في الآخرة ، فذلك الذي تكفره الصلوات ما لم يبلغ الكبائر ، والوجه الآخر هو الذنب العظيم يلمّ به المسلم المرة بعد المرة فيتوب منه ، وقال مقاتل : اللمم ما بين الحدّين من الذنوب. نزلت في نبهان التمار وقد مضت القصة في سورة آل عمران ، وقال عطاء بن أبي رياح : اللمم عباده النفس الحين بن الحين ، وقال سعيد بن المسيب : هو ما لمّ على القلب ، اي حظر ، وقال محمد بن الحنفية : كل ما هممت به من خير أو شرّ فهو لمم.
ودليل هذا التأويل الخبر المروي «إنّ للشيطان لمّة ، وللملك لمّة ، فلمّة الشيطان الوسوسة ، ولمّة الملك الإلهام» (١) [١٣١] وقال الحسين بن الفضل : اللمم : النظرة من غير تعمد ، وهو مغفور ، فإن أعاد النظر فليس بلمم وهو ذنب ، وقال الفرّاء : اللمم : المتقارب من صغار الذنوب ، وأصل اللمم والإلمام هو ما يعمله الإنسان المرة بعد المرة ، والحين بعد الحين ولا يتعمق فيه ولا يقيم عليه. يقال : ألممت به إذا زرته وانصرفت ، إلمام الخيال ، قال الأعشى :
ألمّ خيال من قتيلة بعد ما |
|
وهي حبلها من حبلنا فتصرّما (٢) |
وقال آخر :
أنى ألمّ بك الخيال يطيف |
|
ومطافه لك ذكرة وشغوف |
(إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) لا يتعاظمه ذنب ، نظيره (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ).
أخبرني ابن فنجويه ، قال : حدّثنا الفضل بن الفضل الكندي ، قال : حدّثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن النعمان بن عبد السلام الأصفهاني قال : حدّثنا محمد بن عاصم ، قال : حدّثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا العوام بن حوشب عن عمرو بن مرة عن أبي وائل قال : رأى أبو مسيرة عمرو بن شرحبيل ، وكان من أفاضل أصحاب عبد الله في المنام قال : رأيت كأني دخلت الجنة فإذا قباب مضروبة فقلت : لمن هذه؟ فقالوا : لذي الكلاع وحوشب ـ وكانا ممن قتل مع معاوية ـ فقلت فأين عمار وأصحابه؟ فقالوا : أمامك ، قلت : وقد قتل بعضهم بعضا؟ : إنهم لقوا الله سبحانه فوجدوه واسع المغفرة.
__________________
(١) في المصادر تفاوت : فأمّا لمّة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب الحق ، وأما لمّة الملك فإيعاد بالخير وتصديق الحق ...» السنن الكبرى للنسائي : ٦ / ٣٠٥ ، ومسند أبي يعلى ٨ / ٤١٧ ، وصحيح ابن حبان : ٣ / ٢٧٨.
(٢) تفسير القرطبي : ١٧ / ١٠٩.