لأنّه لم ير المصلحة في أن يقول لعبد الرحمن ما قال لهشام ، وابن وهب ، ومحمّد بن إسماعيل بن بزيع ، وغيرهم من الأعاظم الذين عرفت أنّهم عليهمالسلام أمروهم بالقصر ولم يقبل شيء من أخبارهم التوجيه أصلا.
بل أظهروا لهم أنّ الأمر بالإتمام أيضا صدر منّا ، إلّا أنّه كان لأجل كذا وكذا.
ويحتمل أن يكون قوله عليهالسلام : «لا ، كنت أنا». إلى آخره (١) استفهاما إنكاريّا أو تقريريّا ، ويكون مراده أنّه ألست كنت أنا وآبائي إذا دخلنا مكّة كنّا نتمّ ونستتر من الناس ، أي نستتر حالنا على الناس حتّى لا يعرفوا إنّا كنّا نقصّر في السفر ، فمعنى «استترنا من الناس» استترنا أنفسنا منهم ، لا أنّهم استتروا الإتمام من الناس.
وهذا هو الموافق لما ذكروه لهشام ، فيكون عليهالسلام صدّق هشاما ، وهو الأنسب بالنسبة إلى مثل هذا الجليل الثقة ، مع أنّ عبد الرحمن كان من تلامذة هشام ، وكان في غاية الإخلاص له.
وهذا أيضا يؤيّد ما ذكرناه ، مضافا إلى أنّ هذه الرواية على هذا تصير موافقة لصحيحة ابن وهب (٢) وغيرها ممّا ذكر ، على أنّ الأمر بالتمام من أجل الناس ، ويؤيّده الاعتبار وغيره ممّا أشرنا.
وبالجملة (٣) ، الأئمّة عليهمالسلام عالجوا تعارض أخبارهم وأوجبوا علينا الأخذ بكلّ علاج منها ، فكيف يجوز لنا رفع اليد عنها والقول بأهوائنا مع منعهم عليهمالسلام عنه صريحا؟ ومعالجاتهم هي الأخذ بما خالف العامّة وما وافق الكتاب بعد تفسير أهل البيت عليهمالسلام ـ كما مرّ في صحيحة زرارة وابن مسلم (٤) ـ وطريقة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
(١) راجع! الصفحة : ١٩٨ من هذا الكتاب.
(٢) راجع! الصفحة : ١٩١ و ١٩٢ من هذا الكتاب.
(٣) لم ترد في : (د ٢) و (ز ٢) و (ز ٣) و (ط) من قوله : وبالجملة. إلى قوله : ولا يضايقون من الإكثار.
(٤) راجع! الصفحة : ١٧٨ و ١٧٩ من هذا الكتاب.