نعم ، ذكر ما ذكر ، وأظهر ما أظهر ، كما أنّهم عليهمالسلام كانوا يأمرون بالإتمام في الحرمين بلا تأمّل ، ولم يكن ذلك إلّا لمصلحة دعتهم عليهمالسلام إلى ذلك ، وأظهروا أنّها التقيّة.
ولعلّ تلك المصلحة كانت موجودة بالنسبة إلى عبد الرحمن ، وهو كان مثل سائر الرواة الأعاظم الذين أمروهم بالإتمام ، كيف لا؟ وعبد الرحمن هذا هو الذي قال له المعصوم عليهالسلام : أتمّ الصلاة في الحرمين ، وإن لم تصلّ إلّا صلاة واحدة (١).
وأمّا هشام ، فإنّه كان مثل سائر الرواة الأعاظم الذين أمروهم بالقصر في الحرمين ، ولم يرخّصوا لهم أن يتمّوا.
وبالجملة ، لا شبهة في أنّ شعار العامّة الإتمام ولو في الحرمين ، والقصر في الحرمين لو كان فلا شكّ في كونه من خصائص الخاصّة ، والمقام مثل سائر المقامات التي صرّحوا عليهمالسلام بأنّهم أوقعونا في الاختلاف ، وأنّه أبقى لهم عليهمالسلام وأبقى للشيعة.
ومراعاة القاعدة في معرفة الموافق عن المخالف لهم ، لا شكّ في انحصاره في طريقة الصدوق رحمهالله وشركائه من أصحاب الأئمّة عليهمالسلام.
إذا عرفت ما ذكرنا ، فاعلم أنّ الظاهر من هذا الخبر أنّ المعصوم عليهالسلام قال : أنا وآبائي كنّا نتمّ في حال الاستتار من الناس أيضا ، فكيف كان أمرنا هشاما بالإتمام من أجل الناس؟
فلعلّ مراده عليهالسلام أنّهم كانوا يتمّون بعد قصد الإقامة في مكّة ، وهذا هو الظاهر ، إذ يبعد أنّهم كانوا لا يقيمون في مكّة ـ شرّفها الله تعالى ـ مقدار عشرة أيّام حتّى يكون إتمامهم بمجرّد التخيير ، مع أنّهم عليهمالسلام أمروا غيرهم بقصد الإقامة ثمّ الإتمام ، ونهوا عليهمالسلام إيّاهم عن الإتمام بغير قصد الإقامة ، وإنّما ذكر عليهالسلام ذلك كلّه ،
__________________
(١) راجع! الصفحة : ١٨٨ من هذا الكتاب.