قالت الحكماء : هذا إذا ردّ بنص حكم الله عيانا عمدا ، فأما من جهله أو أخفي عليه أو أخطأ في تأويل ابتدعه أو دليل اتّجه له فلا ، وأجراها بعضهم على الظاهر.
وقال ابن مسعود ، والسدّي : من ارتشى في الحكم وحكم فيه بغير حكم الله فهو كافر (١) (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها) أي وأوحينا في بني إسرائيل في التوراة (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) يعني النفس القاتلة بالنفس المقتولة [ظلما] (٢) (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) بقلعهما (وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ) يجدع به (وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ) يقطع به أذنيه.
نافع : في جميع الفقهاء [وقرأ] الباقون (وَالسِّنَّ بِالسِّنِ) يقلع به وسائر الجوارح قياس على العين والأنف والأذن (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) وهذا مخصوص فيما يمكن القصاص فيه ، فأما ما كان من هيضة لحم أو هيضة عظم ويعده ركن لا يحيط العلم به وقياس أو حكومة.
واختلف الفقهاء في هذه الآية ، فقرأ الكسائي : (وَالْعَيْنَ) رفعا إلى آخره. واختار أبو عبيد لما روى ابن شهاب عن أنس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قرأه (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) نصبا ، والعينُ بالعين ، والأنفُ بالأنف ، والأذنُ بالأذن ، والسنُّ بالسن ، والجروحُ قصاص ، كله رفع.
وأما أبو جعفر وابن كثير وابن عامر وأبو عمرو فكانوا يرفعون (الْجُرُوحَ) وينصبون سائرها. وقتادة ، أبو حاتم قالوا : لأن لهما نظائر في القرآن قوله (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) و (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (٣) (وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ) (٤).
وقرأ نافع وعاصم والأعمش وحمزة ويعقوب [بالعطف] كلها نصبا ودليلهم قوله تعالى : (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ) أن (الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ) أن (الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ) أن (الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ) فإن (الْجُرُوحَ قِصاصٌ. فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ) اختلفوا في الهاء في قوله «بِهِ» ، فقال قوم : هي كناية عن المجروح وولي القتيل ، ومعناه (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) ، للمتصدق يعدم عنه ذنوبه بقدر ما تصدّق.
وهو قول عبد الله بن عباس والحسن والشعبي وقتادة وجابر بن زيد ، دليل هذا القول لحجة ما روى الشعبي عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من تصدّق عن جسده بشيء كفّر الله عنه بقدر ذلك من ذنوبه» (٥) [٧٧].
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي : ٦ / ١٩١.
(٢) تفسير الطبري : ٦ / ٣٦٤.
(٣) سورة الأعراف : ١٢٨.
(٤) سورة الجاثية : ٣٢.
(٥) مسند أحمد : ٥ / ٣٣٠ ، وسنن النسائي : ٦ / ٣٣٥.