وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ» (٢ ـ ٢٧٨ ـ ٢٨١).
هذه أيها السادة والسيدات نصوص التشريع القرآني في الربا مرتبة على حسب تسلسلها التأريخي.
وإنكم لترون الآن أن الفئة التي تزعم أن الإسلام يفرق بين الربا الفاحش وغيره (وهى الفئة من المتعلمين الذين ليس لهم رسوخ قدم في علوم القرآن) لم تكتف بأنها خالفت إجماع علماء المسلمين في كل العصور ، ولا بأنها عكست الوضع المنطقي المعقول حيث جعلت التشريع الإسلامى بعد أن تقدم إلى نهاية الطريق في إتمام مكارم الأخلاق يرجع على أعقابه ويتدلى إلى وضع غير كريم ، بل إنها قلبت الوضع التأريخي إذا اعتبرت النص الثالث مرحلة نهائية ، بينما هو لم يكن إلا خطوة انتقالية في التشريع لم يختلف فى ذلك محدّث ولا مفسّر ولا فقيه.
على أنا لو فرضنا المحال ووقفنا معهم عند هذا النص الثالث ، فهل نجد فيه ربحا لقضيتهم في التفرقة بين الربا الذي يقل عن رأس المال ، والربا الذي يزيد عليه أو يساويه؟ كلا ، فإنه قبل كل شىء لا دليل في الآية على أن كلمة الإضعاف شرط لا بد منه في التحريم ، إذ من الجائز أن يكون ذلك عناية بذم نوع من الربا الفاحش الذي بلغ مبلغا فاضحا في الشذوذ عن المعاملات الإنسانية من غير قصد إلى تسويغ الأحوال المسكوت عنها التي تقلّ عنها في الشذوذ. ومن جهة أخرى فإن قواعد العربية تجعل كلمة «أضعافا» فى الآية وصفا للربا لا لرأس المال كما قد يفهم من تفسير هؤلاء الباحثين ، ولو كان الأمر كما زعموا لكان القرآن لا يحرم من الربا إلا ما بلغ ٦٠٠ خ من رأس المال. بينما لو طبقنا القاعدة العربية على وجهها لتغير المعنى تغيرا تاما بحيث لو افترضنا ربحا قدره واحد في الألف أو المليون لصار بذلك عملا محظورا غير مشروع بمقتضى النص الذي يتمسكون به.