والحكمة في تعليق هذا الثواب على ترك المنّ والأذى ، أن الإنفاق في سبيل الله يراد به وجه الله وطلب رضاه ، فلا وجه لمنّ المنفق على من أنفق عليه لأنه لا يد له قبله ، ولا صنيعة له عنده ، تستحق ـ إن لم يكافئه عليها ـ المن والأذى فعلى الله مثوبته دون من أنفق عليه.
ثم وضع سبحانه دستورا لحسن المعاملة بين الناس فقال :
(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) أي كلام حسن وردّ جميل على السائل ، وستر لما وقع منه من الإلحاف في السؤال وغيره أنفع لكم وأكثر فائدة من صدقة فيها الأذى ، لأنه وإن خيّب رجاءه فقد أفرح قلبه وهوّن عليه ذل السؤال ، وهذا القول تارة يتوجه إلى السائل إن كانت الصدقة عليه ، وتارة أخرى يتوجه إلى المصلحة العامة ، كما إذا احتيج لجمع المال لدفع عدوّ مهاجم أو بناء مستشفى أو مدرسة أو نحو ذلك من أعمال الخير والبر ولم يكن لدى المرء مال ، فعليه أن يساعد بالقول المعروف الذي يحث العاملين على العمل ، وينشطهم إليه ، ويبعث عزيمة الباذلين على الزيادة في البذل ، أما الصدقة التي يتبعها أذى فهى مشوبة بضرر ما يتبعها من الإيذاء ، ومن آذى فقد بغّض نفسه إلى الناس بظهوره في مظهر البغض لهم ، والسلم والولاء خير من العداوة والبغضاء.
ومن الخير للأمة أن يظهر أفرادها في مظهر المتعاونين كما قال : «وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى» وذلك مما يعزز مقامها ، ويحفظ كرامتها ، ويجعلها مهيبة في أعين الناس أجمعين.
وخلاصة المعنى ـ إن مقابلة المحتاج بكلام يسره وهيئة ترضيه ، خير له من الصدقة مع الإيذاء بسوء القول أو سوء المقابلة ، ولا فارق بين أن يكون المحتاج فردا أو جماعة ، فإن مساعدة الأمة ببعض المال مع سوء القول في العمل الذي ساعدها عليه ، وإظهار استهجانه ، وتشكيك الناس في فائدته ، لا توازى إحسان القول فى ذلك العمل الذي تطلب المساعدة له ، والإغضاء عن التقصير الذي ربما يقع من