المعنى الجملي
بعد أن بين سبحانه فيما سلف أحوال عيسى عليه السلام وما يعتوره من الأطوار المنافية للألوهية ، ثم ذكر دعوته صلى الله عليه وسلم الناس إلى التوحيد والإسلام ، وظهور عناد أهل الكتاب حتى اضطر إلى دعوتهم إلى المباهلة فأعرضوا ، وبذلك انقطعت حججهم ، ودل ذلك على أنهم ليسوا على يقين من اعتقاد ألوهية المسيح ، ومن يفقد اليقين يتزلزل حينما يدعى إلى شىء مما يخاف عاقبته.
دعاهم هنا إلى أمر آخر هو أصل الدين وروحه الذي اتفقت عليه دعوة الأنبياء جميعا وهو سواء وعدل بين الفريقين لا يرجح فيه طرف على طرف ، وهو عبادة الله وحده لا شريك له ، فلما أعرضوا أمر بأن يقول لهم : اشهدوا بأنا مسلمون.
الإيضاح
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) أي قل : يا أهل الكتاب هلمّوا وانظروا في مقالة عادلة اتفقت عليها الرسل والكتب التي أنزلت إليهم ، فقد أمرت بها التوراة والإنجيل والقرآن.
ثم بين هذه الكلمة فقال :
(أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) أي ألا نخضع إلا لإله له السلطة المطلقة في التشريع وله التحليل والتحريم ، ولا نشرك به شيئا سواه ، ولا يتخذ بعضا بعضا أربابا من دون الله.
وقد حوت هذه الآية وحدانية الألوهية في قوله ـ ألا نعبد إلا الله ـ ووحدانية الربوبية في قوله ـ ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ـ.
وهذا القدر متفق عليه في جميع الأديان ، فقد جاء إبراهيم بالتوحيد ، وجاء به موسى ، فقد ورد في التوراة قول الله له (إن الربّ إلهك ، لا يكن لك آلهة أخرى أمامى ، لا تصنع لك تمثالا منحوتا ، ولا صورة ما مما في السماء من فوق ، ومما