بعد امره ، به وايجابه له ، لكان لمعترض ان يعترض علينا ويقول :
اليس الله سبحانه وتعالى قال موبخا لمن امر بالبر ولم يفعله هو ، : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١) ، وحاشا ، سيد البشر ، ان يأمر بطاعة وبر ولم يكن قد سبق إليه ، ثم الرسول لا بد أن يكون من المتقين ، بل هو سيد المتقين وامامهم ونبيهم ، وإذا كان كذلك كانت الوصية واجبة عليه حقا ، كما قال الله سبحانه وتعالى : (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) وقال : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ) فصار لزومها له آكد من لزوم غيره ، إذ هو بالتقوى احق من غيره.
ويزيده بيانا : ان الرسول صلى الله عليه وآله انما يفعل الفعل اما ليوجب اوليسن (٢) ، فان كان لم يوص ، وقد ترك الوصية ، فلابد من الاقتداء بفعله ، لان الاقتداء به من الايمان ، الا ترى الى قوله سبحانه وتعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَ) (٣) ثم قوله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (٤).
وليس لاحد ان يرغب بنفسه عن فعل رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم ترك الرسول الوصية على زعم من زعم ذلك ، لا يخلو من قسمين : اما ان يكون طاعة لله ، أو غير طاعة ، فقد نزه الله تعالى نبيه عن فعل ذلك بقوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) (٥) وبقوله (إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَ) (٦) وبقوله تعالى : (وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) (٧) يعنى من يفعل ما لم يأمر به ،
__________________
(١) البقرة : ٤٤.
(٢) وفى نسخة : أو ليبين.
(٣) الاعراف : ١٥٧.
(٤) الحشر : ٧.
(٥) النجم : ٣ ـ ٥.
(٦) الانعام : ٥٠.
(٧) ص : ٨٦