حتّى ظننت أنّه يريد أن نأتيه ، فقلت : نغدوا عليك؟ فقال : «لا ، إنّما عنيت عندكم» (١).
فإنّ قوله : «حتّى». إلى آخره ، ينادي بأعلى صوته بما ذكرنا من أنّ الوجوب العيني منصب الإمام عليهالسلام ، وأنّه لولاه ولا من هو نائبه يكون مستحبّا ، كما فهمه معظم فقهائنا الماهرين الخبيرين المقاربين لعهد صاحب الشرع ، إذ لو لا ذلك ، لما كان بين شدّة الحثّ وبين الإتيان عنده رابطة أصلا ومطلقا ، وزرارة لا شكّ في فقاهته ، وجودة فهمه ، وكونه من أهل اللسان ، ولذا قال : «حتّى ظننت» ولم يقل : «ظنّنا».
وذلك لأنّه رحمهالله يظهر أنّ حثّه اشتدّ وازداد حتّى أنّه من شدّة الازدياد والمبالغة ظننت الوجوب العيني ، وكنت أدري أنّه منصبه يفعله بنفسه أو بنائبه ، ولمّا لم يكن النائب ظننت أنّه يريد أن نأتيه فسألت فأجاب بأنّ مرادي عندكم ، فعلمت أنّه عليهالسلام كان مراده المبالغة في الحثّ على المستحبّ لا الإيجاب.
ويفهم ما ذكرنا من هو من أهل التفطّن ، ويكشف عن ذلك ملاحظة جميع ما مرّ وسيأتي ، فلاحظ وتأمّل حتّى تستيقن ولا تكتفي بالمظنّة.
وممّا ذكر ظهر أنّ تركهم صلاة الجمعة ما كان من جهة الخوف والتقيّة ، بل من جهة عدم من يصلّون خلفه ممّن هو أهل للصلاة خلفه بعنوان الوجوب العيني.
وممّا يدلّ على أنّ هذا الحثّ لم يكن على سبيل الوجوب ، أنّه لو كان كذلك ولم يكن فعلها كذلك منصبا للإمام عليهالسلام ـ بل يكون واجبة على كلّ مكلّف ، وأن يصلّيها خلف أيّ عادل يكون كما يدّعون ، ويدّعون ظهور ذلك من روايات
__________________
(١) وسائل الشيعة : ٧ / ٣٠٩ الحديث ٩٤٣٣.