وقالوا : صاحبه أبصر بها ، وقالوا : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) (١) ، إلى غير ذلك ممّا هو صريح في أنّ كلّ من خاف أو ظنّ الضرر يجب عليه التقيّة ، فكيف هنا أمرهم بخلاف ذلك؟
مع أنّ التقيّة فيهم أشدّ كما ستعرف ، فكيف ما قنع الصادق عليهالسلام بما صنع معهم؟ حيث جعل تكليفهم في التقيّة منوطا بظنّهم وخوفهم ، موكولا على بصيرتهم ، كما جعل أفعال الصلاة وركعاتها منوطا بظنّهم ، وغير ذلك ممّا جعل ظنّهم حجّة لهم ومرجعا فيه.
وما جعل علم الإمام عليهالسلام بالغيب مرجع تكليفهم ومناط عملهم ، بل ما جعلوا علمهم بالغيب مناط عملهم ، فضلا عن الرغبة.
مع أنّه إذا كان عند الصادق عليهالسلام وفي علمه أنّه ارتفعت التقيّة وجميع هؤلاء ما كانوا متفطّنين أصلا ـ مع أنّ التقيّة في زمان الصادق عليهالسلام كانت أشدّ منه في زمان الباقر عليهالسلام ، ولذا صرّح الصادق عليهالسلام بأنّ أبي عليهالسلام ما كان يتّقي وأنا أتّقي (٢) ، وغير ذلك ممّا عرفت من الأدلّة الكثيرة على ذلك ـ فكان عليه أن يظهر هذا المعنى فقط ، يعني : الآن ارتفعت التقيّة ، وكانت التقيّة في الزمان السابق عليه.
مع أنّا نعلم أنّه ما كان كذلك جزما ، وأنّه لو لم يكن بالعكس لم يكن كذلك جزما ، لما عرفت.
وبالجملة ؛ لا وجه أصلا للحثّ والترغيب ، مع أنّ الرواة بأنفسهم كانوا يعلمون أشدّ التفريض والتهديد والترهيب ، وأين الترهيب من الترغيب؟
مع أنّ الرواية هكذا : قال زرارة : حثّنا أبو عبد الله عليهالسلام على صلاة الجمعة
__________________
(١) بحار الأنوار : ٧٢ / ٣٩٣ الباب ٨٧.
(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٦٤ الحديث ٥١٠٨ ، ٦ / ٢٦٣ الحديث ٧٩١٠.