وقيل : إنّ النصارى كانوا يجامعون الحائض ولا يبالون بالحيض (١) ، بل كانوا يكثرون من جماعهنّ على ما هو ببالي ، واليهود كانوا يعتزلونهنّ في كلّ شيء ، فأمر الله تعالى الاقتصاد بين الأمرين.
وروي أيضا : أنّ اليهود كانوا يعتزلون النساء في زمان الحيض ، فسئل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن ذلك ، فنزلت هذه الآية ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «اصنعوا كلّ شيء إلّا النكاح» (٢).
فظاهر أنّ المراد هو المتعارف من النكاح ، لانصراف الإطلاق إليه ، ولأنّ قوله تعالى (فِي الْمَحِيضِ) يحتمل أن يكون المراد موضع الحيض ، بل هو الأنسب ، تفريعا على ما تقدّم ، لأنّه تعالى قال (فَاعْتَزِلُوا) أتى بكلمة «الفاء» ، وعرفت أنّ المراد ليس الاعتزال عنهنّ مطلقا ، بل عن جماعهنّ خاصّة ، فتأمّل جدّا!
ولأنّه على هذا لا يحتاج إلى تقدير وإضمار ، فتعيّن أن يكون المراد هو ، بخلاف ما لو كان المراد المصدر ، أو اسم زمان ، أمّا الأول ؛ فظاهر ، وأمّا الثاني ؛ فلأنّ اعتزالهنّ في أوقات الحيض باطل كما عرفت ، فلا بدّ من تعيين ما يعتزل منهنّ وتقديره ، مع أنّ الأظهر انصراف إطلاق لفظ «المحيض» إلى غير اسم الزمان ، والإتيان بكلمة «في» تنبيه على تضمين معنى الجماع في الاعتزال ، فتأمّل!
وأمّا الأخبار (٣) فهي متعارضة ، وهو علامة الكراهة ، سيّما مع معارضتها لأخبار كثيرة صريحة في عدم المنع (٤) ، مع أنّ تلك الأخبار مشتهرة بين الأصحاب ، وموافقة لظاهر الكتاب على حسب ما عرفت ، ومخالفة للعامّة ، فإنّهم يضايقون ،
__________________
(١) تفسير البيضاوي : ١ / ١٢٠.
(٢) سنن أبي داود : ١ / ٦٧ الحديث ٢٥٨ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٢١١ الحديث ٦٤٤.
(٣) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٢٤ الباب ٢٦ من أبواب الحيض.
(٤) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٢١ الباب ٢٥ من أبواب الحيض.