روايتين من كتاب «من لا يحضره الفقيه» وقد أشار إلى ما افتى به الصدوق رحمهالله ، وذكر قول صاحب المدارك في ذيله ، قال : هو جيّد لو صحّ السند. ثم قال : أقول : على تقدير الصحّة أيضا مشكل ، للمخالفة للقاعدة الشرعيّة الثابتة من الأدلّة الكثيرة الموافقة لطريقة المسلمين في الأعصار والأمصار ، ولمخالفتها للأخبار الصحيحة والمعتبرة الكثيرة التي أفتى الفقهاء بها (١).
وكأنّه في مقام تأسيس أصل أنّه لو كانت الرواية صحيحة السند إلّا أنّها مخالفة مع القواعد المسلّمة والقطعيّة للشريعة لا يمكن الاستناد عليها وبها فحينئذ يلزم إمّا تأويلها وتوجيهها ، أو طرحها وردّها.
وعلى هذا الأساس ذكر في «الفوائد الحائريّة» أنّ هناك بحث قد عنون تحت قولهم : (تعارض الأدلّة والنصوص) ، وهم يستندون إلى هذه الرواية ونظائرها من قوله عليهالسلام : «اعرضوا الحديث على سائر أحكامنا ، فإن وجدتموه يشبهها فخذوا به ، وإلّا فلا» ، وبذلك أثبت أنّ حكم وجوب الطرح وعدم جواز الأخذ ليس مختصّا بالروايات المخالفة للنصوص الصريحة القرآنيّة ، والقواعد القطعيّة الشرعيّة ، بل الروايات التي هي مخالفة للإجماع ـ وحتّى الشهرة بين الأصحاب ـ ساقطة عن الاعتبار (٢).
بسبب عدم الالتفات إلى هذا الأصل المهمّ جرّ جمع من الفقهاء رحمهمالله إلى التفردات الفقهيّة والاستنباطات المغلوطة.
ويستنتج من هذه الفائدة أنّه حتّى الروايات في باب الاعتقادات والقضايا
__________________
(١) مصابيح الظلام : ٤ / ١٥٥.
(٢) الفوائد الحائريّة : ٣١٩ ـ ٣٢٢ (الفائدة ٣٣).