الثانية : تحكيم الأدلّة وتنوّعها ؛
وهذا ما يظهر من مقارنة هذا السفر الجليل بما سلفه من مصنّفات الأصحاب ، إذ يظهر منه مدى ابتكاره وخلاقيّته بما برز من الشارح ـ طاب ثراه ـ من نكات وملاحظات خلال شرحه ، ممّا يكشف عن مقدار إحاطته على كتب السلف ومبانيهم مع استحكام الأدلّة وإثباتها على كلّ دعوى ادّعاه ، وكل ما أورده فيه مع تنوّع فيها ، مثلا في مبحث انفعال الماء القليل استدلّ بروايات كثيرة ، ثمّ خلّص إلى القول بقوله : قد عرفت تواتر الأخبار ، وقد أشرنا إلى بعضها ، وقد زاد على المائة والمائتين ، فما ظنّك بصورة ضمّ ما لم يشر؟ (١).
ثم إنّ سرد الأدلّة المنقولة في كلامه في الأبواب المختلفة المربوطة بهذا البحث ـ مع ما هناك من إجماعات مدّعاة عليه ـ يوجب تقوية المدعى.
والشاهد على ذلك قوله ردّا على أدلّة ابن أبي عقيل ومن تابعه ، خاصّة نقضه على ادّعائه العجيب في أنّه : تواتر عن الصادق عليهالسلام «أنّ الماء لا ينجّسه شيء إلّا ما غيّر لونه ، أو طعمه ، أو رائحته» ، حيث قال : مع أنّ هذا المضمون لم يرو عنه عليهالسلام بعنوان الآحاد أحد من مشايخنا المحدّثين الضابطين لأحاديثهم عليهمالسلام المقبولة والمردودة ، كما هو دأب المحدّثين ، وكذلك الفقهاء المتمسّكون بأخبارهم عليهمالسلام من القدماء والمتأخّرون جميعا في مقام الاستناد ، أو التوجيه ، أو الطعن في كتاب من كتبهم ، أو مقام من مقامات ذكر مثل هذا الحديث.
ولذلك ما رووا في ذلك المقام إلّا خصوص ما رواه العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
(١) مصابيح الظلام : ٥ / ٢٨٥.