ومنها : كشف ملاكات الأحكام ؛
حيث أنّ علماء الإماميّة والمعتزلة ـ المعبر عنهم ب : العدليّة ـ خلافا للأشاعرة ذهبوا إلى أنّ الأحكام الشرعيّة تابعة للملاكات والمناطات الواقعيّة ونفس الأمريّة ، ولا يمكن للشارع المقدّس أن يقرّ حكما لموضوع بدون ملاك واقعيّ له ، لما يلزم من قبول هذا الأمر من إنكار لحقائق الأشياء ، وتسليم التغيّر في الحقيقة الثابتة ، مع أنّ الواقع الخارجي للأشياء يمكن أن يكون معرضا للحوادث الزمانيّة والمكانيّة ويتغيّر بخلاف حقيقة الأشياء وماهيّتها.
مثلا السرقة والتصرّف في مال الغير بدون رضاه مذموم وقبيح على أيّ حال ، وفي كلّ زمان ومكان. ولذا كان القبيح الذاتي محكوما بالحكم الشرعي التحريمي. فلو وصل المجتهد بالطرق المقرّرة إلى الحكم الواقعي للشارع المقدّس كان مصيبا ، ولو اشتبه كان مخطئا ؛ لأنّ حقيقة الحكم الإلهى لا تتغيّر بحسب فتواه. كي يقال : إنّ المجتهد مصيب على كلّ حال ، وإنّ فتواه وحكمه حكم القانون الإلهى. وكلّ ما أفتى به هو ـ وإن كان قبيحا ـ كان حسنا ، وكذا العكس. فالمجتهد عند الإماميّة مستنبط وكاشف لا مشرّع ومقنّن ، وهو يمكن أن يصل إلى واقع حكم الله تعالى وقد يخطئ ، كلّ ذاك خلافا لما ذهب إليه الأشاعرة من القول بكون المجتهد على كلّ حال مصيبا. أي إنّ حكمه هو الحكم الواقعي للشارع.
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ذهبوا إلى أنّ الحسن ما حسّنه الشارع والقبيح ما قبّحه ، ففي الواقع قد جوّزوا أن يكون موضوعا واحدا له عدّة أحكام في آن واحد بحسب تعدّد الفتوى عليه ، وكلّها صحيحة ومصابة! وهذا ما يخالف بداهة العقل وما أقرّته الشرائع السماويّة.
هذا مع أنّ ثبوت الشرائع الإلهيّة أساسا موقوف على قبول الحسن والقبح