الأحكام الشرعيّة ـ الفرعيّة والأصليّة ـ ما هو إلّا نزاع لفظي بحت.
بل إنّ هذا العنوان ـ الذي تشدّق به البعض ـ لم يكن شيئا جديدا أبدا ، بحيث لم يلتفت إليه الماضون ، أو عجز عنه الفقهاء السابقون ، أو يعدّ مشكلة عويصة لم يدركها المتقدمون ، كما حسبها البعض ؛ إذ مثل هذه التحوّلات والتغييرات في الامور الممكنة واليوميّة طبيعيّة دارجة ، ومسألة واضحة بديهيّة ، وبها تتغيّر الأحكام الشرعيّة الفرعيّة لا الأوّليّة الفطريّة. إذ كثيرا ما يكون الفقهاء في معرض أمثال هذه الامور التي أقرّوها وأعطوها الأحكام الكافية الدقيقة مستندين فيها إلى ما لهم من إحاطة بالقواعد الفقهيّة المقرّرة الثابتة عندهم ، ولعلّ من هذا ما سنوافيك به ممّا يعبّرون عنه ب : المسائل المستحدثة.
ولا نعرف متفقّها ـ فضلا عن فقيه ـ يسمح لنفسه أن يغيّر الأحكام الأوّليّة مع فرض بقاء موضوعاتها ومباديها الأساسيّة ، إذ ذاك تشريع لا يستسيغه من له أدنى إحاطة بالفقه ، ولا يجيزه من له تقوى عمليّة في مقام الحكم.
ونرى من المناسب التعرّض لبعض تلك القواعد التي أشرنا لها :
فمنها : تبدّل الموضوع ؛ إذ ذهب علماء الاصول إلى أنّ وضع الأحكام الشرعيّة وجعلها من قبيل القضايا الحقيقيّة لا الخارجيّة. أي إنّ المقنّن عند ما قنّن وأقرّ الحكم لاحظ طبيعة الموضوع ووضع بإزائه قانونا له ، وكلّ فرد كان مصداقا لذلك الكلّي الطبيعي ؛ يكون محكوما بذلك الحكم المحفوظ موضوعه ، فيستحيل في مقام الجعل والتقنين أن يجعل الشارع المقدّس حكمين لمعنون وموضوع واحد.
ولو صادفنا نادرا مثل هذه الموارد في مصادر الأحكام لعدّ ذلك من باب تعارض الأدلّة التي يلتجأ فيها غالبا إلى المعالجة والتصحيح بواسطة الأدلّة العلاجيّة المقرّرة عندهم.