وحيث لم يبق لهذا المذهب في يومنا الحاضر ذاك الرصيد العلميّ الكافي أو من يتبنّاه ويدافع عنه من أهل المعرفة والاطّلاع. لذا نكتفي بما ذكرناه ونطوي الحديث عنهم في هذه العجالة. ويكون موقفنا منهم مجرد سرد تاريخ للفقه لا مناقشة أقوال ومباني رصينة أكل الدهر عليها وشرب ، وقد أغنانا السلف الصالح عناء الدفاع والرد والنقض والإبرام.
المتحرّرون :
وهم جمع لا يقلّ خطرهم عن سابقيهم إن لم يزد عليهم ، فإنّهم كانوا وما لا يزالون يهدمون حصون الشريعة وواقعها. وقد اشتدّ وعظم اليوم خطرهم بعد أن جاؤوا بعناوين جديدة برّاقة ، وشعارات زائفة .. وهم قد خرجوا من هذه الامور التي تشدّقوا بها وزمّروا لها بدعاوي حسبوها فريدة تحت إطار دور الزمان والمكان في الأحكام!
وكان ذلك ذريعة لبعض في الخروج عن اطر القواعد المقبولة والمسلّمة إلى تغيير الأحكام القطعيّة ، والمسائل الأساسيّة ، وقد سرت المناقشة في الترديد والتشكيك في الطرق المحدثة والمسلّمة في الاستنباط بحجّة ملاحظة مقتضيات الزمان والمكان.
ومع أنّا لا ننكر ما لهذين الأصلين من الأثر ودور مهمّ ـ في الجملة ـ في طريقة الاستنباط والاستظهار في الأحكام الشرعيّة ، إلّا أنّه لا يمكن القول بأنّ أحكام الشريعة المقدّسة على نحو الإطلاق وبما هي هي امور قابلة للتغيير والتبديل ، وأنّها تتبدل وتتغير بتوارد الأيّام وتعاقب الزمان ، فيصبح الواجب محرّما ، وينقلب المحرّم إلى واجب ، إذ أنّ قبول مثل هذا إنكار ـ بنحو وآخر ـ