ثمّ إنّ من المسلّم عند أعلام الطائفة كثرة وجود الأحاديث الموضوعة ، والأخبار الضعيفة ، والرواة المتّهمون ، سواء ما كان منها في الأسانيد الروائيّة أو المجاميع الحديثيّة. وهذا ممّا يحدو بنا إلى الأخذ بالقواعد الرجاليّة ، بل منه يعلم ضرورة مراجعة علم الرجال كي تميّز به الأخبار ، وتصحّح به الأسانيد الروائيّة ، ويعرف به الغث من السمين ، والصحيح من السقيم ، بل ويظهر من هذا سخف إنكار القوم لضرورة الحاجة إلى علم الرجال ، فتدبر.
وقد تمحّض من مجمل ما اسلفناه من الحديث عن الأخباريّين حصول طريقة جديدة في كيفيّة استنباط الأحكام الشرعيّة كان وليدها الطبيعي هو : مكتب الاعتدال ؛ بحلته الجديدة المتمثلة بما ذهب إليه شيخنا المجدد ـ طاب رمسه ـ وتلامذته رحمهالله ؛ إذ يلزم ـ ممّا سلف من طريقة الأخباريّين في الاستنباط ـ ما كانوا يرونه من عدم ضرورة الغور في المسائل الاصوليّة ، والمبانى الاجتهاديّة .. بل كلّ يعمل بمقدار ما يفهمه ويظهر له من ظواهر الأحاديث والأخبار. ومن البديهي أنّ سلوك مثل هذا النوع من التفكّر سيخلق لنا فاجعة لا يمكن سدّها ، وثلمة لا يمكن جبرها في اسس المباني الشرعيّة وأحكامها ، بل يوجب تزلزلا في أساس الدين القويم ، حيث لو ابيح لكلّ أحد أن يخوض المنابع الأوّليّة للأصول الدينيّة ، أو يستخرج بنفسه ما يحتاج إليه من الأحكام الشرعيّة بدون أن يكون له صلاحية واقعيّة. أو إحاطة دينيّة .. لكانت تلك مصيبة ليس وراءها فاجعة.
وسيظهر لنا في موضوع واحد عشرات بل مئات الأحكام المختلفة المتضادة ، بل المتناقضة النابعة من اختلاف المدارك والمدركات ، وتعدّد الفهم والانتزاعات. وهذا في حدّ نفسه نقض لغرض الشارع المقدّس من تقنين القوانين ، كما يعدّ مخالفا لأسس التقنينيّة الاجتماعيّة ونظامها.