يُفَسِّروها ، وذَكَرَ منهم ناسٌ أنَّ ما اسْتِفْهامٌ في اللّفْظِ تَعَجُّبٌ في المَعْنى ويَنْتَصِبُ شيئاً بكَلامٍ آخر ، كأَنَّه قالَ : دَعْ شيئاً هو غَيْر مَعْنيٍّ به ، ودَعَ الشَّكَّ في أنَّه غَيْر مَعْنيٍّ به ، فهذا أَقْرَبُ ما قيل في ذلكَ.
الثَّالثة : ما قَدْ تكونُ زائِدَةً بَيْنَ الشَّرْط والجَزاءِ كقوله تعالى : (فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي) (١) ، وقوله تعالى : (فَإِمّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) (٢) ، المَعْنى أن نَذْهَب بكَ ، وتكونُ النونُ جُلِبَتْ للتَّأكِيدِ في قولِ بعضِ النّحويِّين ، وجائِزٌ في الكَلامِ إِسْقاطُ النونِ ؛ أنْشَدَ أَبو زَيْدٍ :
زَعَمَتْ تماضر أنَّني إما أَمت |
|
تسدّ ولشَوْهاء الأصَاغِر خُلَّتي |
الرابعةُ : ماذا قَدْ تأْتي بمعْنَى التّكْثيرِ كما أَثْبَته ابنُ حُبَيْش واستدلَّ له بنَحْو مائَةِ شاهِدٍ نقَلَها المقري في نَفْحِ الطِّيب ، وأَغْفَلَها المصنِّفُ وأَكْثَر النَّحويِّين ، ولم يَعْلَقْ بذهْنِي مِن تِلْكَ الشواهِدِ إلَّا قولَ الشاعرِ :
وما ذا بمِصْر مِن المُضْحِكَاتِ
فراجِعِ الكِتابَ المُذكورَ فإنَّه بَعُدَ عَهْدي به.
الخامسة : ذُكِرَ في أَنْواعِ الكافَّةِ المُتَّصِلَةُ بالظُّروفِ ما يَتَّصِلُ ببَعْد وبَيْنَ ، وقد تُكَفّ إذ وحيثُ بما عن الأضافَةِ ، والأوَّل للزَّمانِ والثاني للمَكانِ ، ويَلْزمُهما النَّصْبُ كما في اللَّبابِ.
السادسة : قد تَأْتي فَبِما بمعْنَى رُبَّما ، أَنْشَدَ ابنُ الأعْرابي قولَ حسَّان :
إنْ يَكُنْ غَثَّ من رَقاشِ حَدِيثٌ |
|
فبِما يأْكُلُ الحَدِيثُ السَّمِينا (٣) |
قال : فبِما أَي رُبَّما. قال الأزْهري : وهو صَحِيحٌ مَعْروفٌ في كَلامِهم ، وقد جاءَ في شِعْر الأعْشى وغيرِه.
[مهما] مَهْما : بَسيطَةٌ لا مُرَكَّبَةٌ مِنْ مَهْ ، بمعْنَى أكْفُفْ ، وما ، صلَةٌ ، ولا مِنْ مَا مَا خِلافاً لزاعِمِيهِما.
وفي الصِّحاحِ : زَعَمَ الخَليلُ أنَّ مَهْما أَصْلُها ما ضُمَّت إليها ما لَغْواً وأَبْدَلُوا الألِفَ هاءً. وقالَ سيبويه يَجوزُ أن تكونَ مَهْ كإذْ ضُمّ إليها ما ، انتَهَى.
وقد أَلْغَزَ الحَرِيرِي في مَقامَاتِه عن مَهْما فقالَ : وما اسْمُ الذي لا يُفْهم إلَّا باسْتِفاضَةِ كَلِمَتَيْن ، أَو الاقْتِصارُ منه على حَرْفَيْن وهو مَهْما وفيها قَولانِ : أَحدُهما : أنَّها مُرَكَّبَةٌ مِن مَهْ ومِن ما ، والقولُ الثاني وهو الصَّحِيحُ أنَّ الأصْلَ فيها ما فزِيدَتْ عليها ما أُخْرى كما تُزادُ ما على أن فصارَ لَفْظُها مَا مَا فثَقُلَ عليهم تَوالِي كَلِمَتَيْن بلَفْظٍ واحِدٍ فأبْدلُوا مِن الألِفِ الأُولى هاءً فصارَتا مَهُما ، قال ومَهْما مِن أَدَواتِ الشَّرْطِ والجَزاءُ ومَتى لُفِظَتْ بها لم يتمَّ الكَلامُ إلَّا بإيرادِ كَلِمَتَيْن بَعْدها كقولِكَ : مَهْما تَفْعَلْ أفْعَلْ ، ويكونُ حينَئِذٍ مُلْتزماً للفِعْلِ ، وإن اقْتَصَرْتَ منها على حَرْفَين وهُما مَهْ ، التي بمعْنى اكْفُفْ ، فُهِمَ المَعْنى ، انتَهَى.
ولها ثلاثَةُ مَعانٍ :
الأوَّل : ما لا يَعْقِلُ غيرَ الزَّمانِ مع تَضَمُّنِ مَعْنَى الشَّرْطِ ، نحو قوله تعالى : مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ (٤) ، قال ابنُ فارِس : هي ما ضمت إلى مِثْلِها ثم جُعِلَتِ الألفُ في ما الأُوْلى هاءً كَراهَةً لالْتِقاءِ السَّاكِنَيْن ؛ وقالَ قَوْمٌ : إنَّ مَهْ بمعْنَى اكْفُفْ وتكونُ ما الثانية للشَّرْطِ والجَزاءِ ، وتَقْديرُ ذلكَ قالوا : مَهْ أَي اكُفُفْ ثم قال ما تأْتِنا به مِن آيةٍ.
الثَّاني : الزَّمانُ والشَّرْطُ ، فتكونُ ظَرْفاً لفِعْلِ الشَّرْطِ كقولهِ ، أَي الشَّاعرِ :
وإنَّكَ مَهْما تُعْطِ بَطْنَكَ سُؤْلَهُ |
|
وفَرْجَكَ نالا مُنْتَهى الذَّمِّ أَجْمَعا |
(٥) وفي اللّبابِ في ذِكْرِ الأسْماءِ المُتَضمِّنَةِ مَعْنى إنْ في كَوْنِها تَجْزِم المُضارع وهي ما ويَتَّصِلُ بها ما المَزِيدَة
__________________
(١) سورة مريم ، الآية ٢٦.
(٢) سورة الزخرف ، الآية ٤١.
(٣) ديوانه ط بيروت ص ٢٥٢ وفيه : «فبما نأكل» والمثبت كرواية اللسان.
(٤) سورة الأعراف ، الآية ١٣٢.
(٥) البيت لحاتم ، ديوانه ط بيروت ص ٦٨ ، وهو من شواهد القاموس ، والشاهد ٦١٧ من شواهد المغني منسوباً لحاتم.