كتابِ الله ، جلَّ عِزّهُ ، حَرْفٌ يَخْلو مِن فائِدَةٍ ولَها تَأْوِيل يَجوزُ أَنْ يكونَ جِنْساً مِن التَّأْكِيدِ ، ويَجوزُ أَن يكونَ مُخْتصراً مِن الخِطابِ وتَأْوِيلُه فبِما أَتَوه مِن نَقْضِ المِيثاقِ ، وتكونُ الباءُ في معْنى مِن أَجْل ، كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (١) ، أَي مِن أَجْلِه وله.
أَو اسْماً ، كقولهِ تعالى : أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ (قَضَيْتُ) (٢) ، تَقْديرُه أَيّ الأَجَلَيْن.
وتُسْتَعْملُ مَوْضِعَ مَنْ ، كقولهِ تعالى : وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ (مِنَ النِّساءِ إِلّا ما قَدْ سَلَفَ) (٣) ، التَّقديرُ مَنْ نَكَحَ ؛ وكَذلكَ قولهُ تعالى : فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ (٤) ، مَعْناهُ مَنْ طابَ لَكُم ؛ نقلَهُ الأزْهري. قال ابنُ فارِس : ومِن ذلكَ قولهُ تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) (٥) فوحد ، ثم قال : (وَيَقُولُونَ : هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) (٦) ، فجرَتْ ما مَجْرَى مَنْ فإنَّها تكونُ للمُفْرد والجَمْع ، قال : وحدَّثني عليُّ بنُ إبراهيم عن جَعْفرِ بنِ الحارِثِ الأسَدِي عن أَبي حاتمٍ عن أبي زيْدٍ أنَّه سَمِعَ العَرَبَ تقولُ : سُبْحانَ.
وإذا نَسَبْتَ إلى ما قُلْتَ : مَوَوِيٌّ.
وقَصِيدَةٌ مَوَوِيَّةٌ وماوِيَّةٌ : آخِرُها ما. وحكى الكِسائي عن الرُّؤَاسِي : هذه قَصِيدَةٌ مائِيَّةٌ وماوِيَّةٌ ولائِيَّةٌ ولاوِيَّةٌ.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
قد تُبْدَلُ مِن أَلِفِ ما الهاءُ ؛ قال الراجزُ :
قد وَرَدَتْ مِن أَمْكِنَهْ |
|
مِنْ هَهُنا ومِنْ هُنَهْ |
إنْ لم أُردّها فَمَهْ
يُريدُ : فما ، وقيل : إنَّ مَهْ هنا للزَّجْرِ أَي فاكْفُفْ عنِّي ؛ قالَهُ ابنُ جنِّي ؛ وقال أبو النّجْم :
دمِنْ بَعْدِ ما وبَعْدِ ما وبَعْدِ ما وبَعْدِ مَتْ (٧) |
|
صارَتْ نُفُوسُ القَوْمِ عِنْدَ الغَلْصَمَتْ |
وكادتِ الحُرَّةُ أن تُدْعَى أَمَتْ
أَرادَ : وبَعْدِ ما أَبْدَلَ الألِف هاءً ، فلمَّا صَارَتْ في التَّقْدير وبَعْد مَهْ أَشْبَهَت الهاءُ هاءَ التَّأْنيثِ في نحو مَسْلَمَة وطَلْحَةَ ، وأَصْلُ تِلْكَ إنَّما هو التاءُ ، فشبَّه الهاءَ في وبَعْدِ مَهْ بهاءِ التأْنِيثِ فوَقَفَ عليها بالتاءِ كما وَقَفَ على ما أَصْله التاء بالتاءِ في الغَلْصَمَتْ ، هذا قِياسُه.
وحَكَى ثَعْلب : مَوَّيْتُ ماءً حَسَنَةً : كَتَبْتُها.
والماءُ : الميمُ ممُالَةٌ والألفُ مَمْدودةٌ : أَصْواتُ الشاةِ ؛ نقلَهُ الجَوْهرِي هنا ، وقد تقدَّمَ في حَرْفِ الهاء.
وابنُ ما ما : مَدينَةٌ ؛ قالَ ياقوتُ هكذا في كتابِ العمراني ولم يزد :
*مهمة*
وفيها فوائِدٌ : الأولى : قولهُ تعالى : فلا تَعْلَم نَفْسٌ ما أَخْفى لهم (٨) ، قال ابنُ فارِس : يمكِنُ أن تكونَ بمعْنَى الذي وتكونُ نَصْباً بـ (تَعْلَمُ نَفْسٌ) ، ومَنْ جَعَلَها اسْتِفْهاماً وقَرَأَ ما أخفى بسكونِ الياءِ كانَ ما نَصْباً بأَخْفى. قال الفرَّاء : إذا قُرِىءَ ما أخفى لهم وجُعِل ما في مَذْهَب أَي كانتْ ما رَفْعاً بأَخْفى لأنَّك لم تُسَمِّ فاعِلَه ، ومَنْ قَرَأَ أخفى بإرْسالِ الياءِ وجعلَ ما في مَذْهبِ الذي كانتْ نَصْباً ، وزَعَمَ بعضُ أهْلِ البَصْرةِ أنَّ مَنْ قَرَأَ ما أخفى ، فما ابْتِداءٌ ، وأخفى خَبَرُه ، قال ولا يكونُ رفعاً بأخفى كما إنَّا نقولُ : زَيْدٌ ضَرَبَ ، لا يكونُ زَيْدٌ رَفْعاً بضَرَبَ.
الثَّانِيَةُ : قال ابنُ فارِس : في كتابِ سيبويه كلمةٌ أُشْكِلَ مَعْناها ، وهو قولهُ : ما أغفلَه عنك شيئاً أَي دَعِ الشَّكَّ ، واضْطَرَبَ أَصْحابُه في تَفْسيرِه ولكن سَمِعْتُ أَبي يقولُ : سأَلْتُ أَبا عبدِ الله محمد بن سَعْدان البَصِير النّحوي بهَمَذان عنها فقال : أَمّا أَصْحابه مِن المبرِّدِ وغيرِهِ فلم
__________________
(١) سورة النحل ، الآية ١٠٠.
(٢) سورة القصص ، الآية ٢٨.
(٣) سورة النساء ، الآية ٢٢.
(٤) سورة النساء ، الآية ٣.
(٥) سورة يونس ، الآية ١٨.
(٦) سورة يونس ، الآية ١٨.
(٧) قبله في اللسان :
الله نجاك بكفي مسلمت
(٨) سورة السجدة ، الآية ١٧.