التَّثْنيةِ قَرأَ : إنَّ هذانِ لَساحِرانِ لأنَّ أَلفَ ذا لا يَقَعُ فيها إعْرابٌ ؛ وقد قيل : إنَّها لغةُ بلحارِثِ بنِ كعْبٍ ، كذا في الصِّحاح.
قال ابنُ برِّي عنْدَ قولِ الجَوْهرِي مَنْ أَسْقَطَ أَلفَ التَّثْنيةِ قرَأَ : إنَّ هذانِ لَساحِرانِ : هذا وَهمٌ مِن الجَوْهرِي لأنَّ أَلفَ التَّثْنيةِ حَرْفٌ زِيدَ لمعْنًى ، فلا تَسقُط وتَبْقى الأَلفُ الأصْليَّةُ كما لم يَسْقُط التَّنْوين في : هذا قاضٍ ، وتَبْقى الياءُ الأصْليَّةُ لأنَّ التَّنْوينَ زِيدَ لمعْنًى فلا يصحُّ حذْفهُ ، انتَهَى.
وتدخلُ الهاءُ على ذَاكَ فتقولُ : هذاكَا زيْدٌ ، ولا تدخلُها على ذلِكَ ولا على أُولئِكَ كما تقدَّمَ ، وتقولُ في التَّثْنيةِ رأَيْتُ ذَيْنِكَ الرَّجُلَيْن ، وجاءَني ذانِكَ الرَّجُلانِ ، ورُبَّما قالوا ذانِّكَ بتَشْديدِ النونِ.
قال ابنُ برِّي : قُلِبَتِ اللامُ نُوناً وأُدْغِمتِ النُّون في النونِ ، ومنهم مَنْ يقولُ تَشْديدُ النونِ عِوَضٌ مِن الألفِ المَحْذوفَةِ مِن ذا.
قال الجَوْهرِي : وإنَّما شَدَّدوا النُّونَ في ذانِكَ تأْكيداً وتكْثيراً للاسْمِ لأنَّه بقي على حَرْفٍ واحدٍ كما أَدْخلُوا اللامَ على ذلكَ ، وإنَّما يَفْعلونَ مثْلَ هذا في الأسْماءِ المُبْهمةِ لنُقصانِها ؛ وأَمَّا ما أَنْشَدَه اللّحياني عن الكِسائي لجميلٍ :
وأَتَى صَواحِبُها فَقُلْنَ هَذَا الذي |
|
مَنَحَ المَوَدَّةَ غَيْرَنا وجَفانا |
فإنَّه أَرادَ أَذا الذي ، فأبْدلَ الهاءَ مِن الهَمْزةِ ؛ وسَيَأتي للمصنِّفِ في الهاءِ المُبْدلَة قرِيباً.
وقد اسْتُعْمِلَت ذا مَكان ، الذي كقولهِ تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ) (١) ، أَي ما الذي ، فما مَرْفُوعةٌ بالابْتِداءِ وذا خَبَرُها ، ويُنْفِقُونَ صِلَةُ ذا.
وكَذلكَ هذا بمعْنَى الذي ؛ ومنه قولُ الشاعرِ :
عَدَسْ ما لعباد عليك امارةٌ |
|
نَجَوْتِ وهذا تَحْمِلينَ طليقُ (٢) |
أَي الذي.
وقد تكونُ ذِي زائِدَةً ؛ كما في حديثِ جريرٍ : «يطلعُ عَلَيْكم رجُلٌ مِن ذِي يمنٍ على وجْهِهِ مسْحَةٌ مِن ذِي ملكٍ».
قال ابنُ الأثير : كذا أوْرَدَه أبو عُمر الزَّاهِد ، وقالَ : إنَّها صلَةٌ أَي زائِدَةٌ.
ويقالُ في تأْنِيثِ هذا : هذه مُنْطَلِقَة ، وقال بعضُهم : هذي مُنْطلقَةٌ ؛ قال ذو الرُّمّة :
فهذِي طَواها بُعْدَ هذِي وهذه |
|
طَواها لهِذِي وخْدُها وانْسِلالُها (٣) |
وقال بعضُهم : هَذاتِ مُنْطَلقاتٌ (٤) ، وهي شاذَّةٌ مَرْغوبٌ عنها ؛ قال أَبو الهَيْثم : وقولُ الشاعرِ :
تمنّى شبيبٌ مِنّةً ينفلت به |
|
وذا قطري لفّه منه وائلُ |
يُريدُ قطريًّا ، وذا زائِدَةٌ.
[ذو] : ذو ، مَعْناها : صاحِبٌ ، وهي كلمةٌ صِيغَت ليُتَوَصَّلَ بها إلى الوصفِ بالأَجْناسِ ، وأَصْلُها ذَوا ، ولذلكَ إذا سمي به تقولُ هذا ذَوا ، قد جاءَ كذا في المُحْكم ، والتَّثْنِيةُ ذَوانِ ، ج ذَوُونَ ، وهي ذاتُ للمُؤَنَّثِ ، تقول : هي ذاتُ مالٍ.
قال اللّيْث : فإذا وقفْتَ فمنهم مَنْ يَدَع التاءَ على حالِها ظاهِرَةً في الوُقُوف لكَثْرةِ ما جَرَتْ على اللِّسانِ ، ومنهم مَنْ يردّ التاءَ إلى هاءِ التّأْنيثِ وهو القِياسُ : وتقولُ : هُما ذَواتانِ (٥) ، وتسقُط النّون عنْدَ الإضافَةِ تقولُ : هُما ذَواتَا مالٍ ، ويجوزُ في الشِّعْرِ ذَواتا (٦) مالٍ ، والتَّمامُ أَحْسَن ؛
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية ٢١٥.
(٢) البيت ليزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري الأغاني ١٨ / ١٩٦ ط دار الثقافة.
(٣) اللسان والتهذيب.
(٤) في اللسان والتهذيب : منطلقةٌ.
(٥) في القاموس : «ذاتانِ» والمثبت كاللسان والتهذيب.
(٦) في اللسان والتهذيب «ذاتا».