ومنه قوله تعالى : (ذَواتا أَفْنانٍ) (١) ؛ ج ذَواتُ.
وقال الجَوْهرِي : وأَمَّا ذُو الذي بمعْنَى صاحِبٍ فلا يكونُ إلَّا مُضافاً ، فإنْ وَصَفْتَ به نَكِرةً أَضَفْته إلى نَكِرةٍ ، وإن وَصَفْتَ به مَعْرفةً أَضَفْتَه إلى الألفِ واللامِ ، ولا يجوزُ أن تُضِيفَه إلى مُضْمَر ولا إلى عَلَمٍ كزَيْدٍ وعَمْرٍو وما أَشْبَههما ، تقولُ : مَرَرْتُ برجُلٍ ذِي مالٍ وبامرأَةً ذاتِ مالٍ ، وبرَجُلَيْن ذَوَيْ مالٍ ، بفَتْح الواو ، كما قال تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٢) وبرِجالٍ ذَوِي مالٍ ، بالكسر ، وبِنْسوةٍ ذاتِ مالٍ ، ويا ذواتِ الجِمامِ ، يُكْسَرُ التاءُ في الجَمْع في مَوْضِع النَّصْبِ كما تُكْسَرُ تاءُ المُسْلماتِ ، تقولُ : رأَيْتُ ذواتِ مالٍ لأنَّ أَصْلَها هاءٌ لأنَّك لو وقفْتَ عليها في الواحدِ لقلْتَ ذاهْ ، بالهاء ، ولكنَّها لمَّا وُصِلَتْ بما بَعْدَها صارَتْ تاءً ، وأَصْلُ ذُو ذَوًا مِثْالُ عَصاً ، يدلُّ على ذلكَ قولهم هاتانِ ذَواتَا مالٍ ، قال الله تعالى : (ذَواتا أَفْنانٍ) ، في التَّثْنيةِ ونَرَى أنَّ الألفَ مُنْقلبَةٌ ، مِن واوٍ.
قال ابنُ برِّي : صوابُه مِن ياءٍ.
ثم حُذِفَتْ مِن ذَوًى عينُ الفِعْلِ لكَراهَتِهم اجْتِماع الواوَيْنِ لأنَّه كان يلْزمُ في التَّثْنيةِ ذَوَوانِ مثْلُ عَصَوانِ ، فبَقي ذَا مُنوَّناً ، ثم ذَهَبَ التّنْوينُ للإضافَةِ في قولك : ذُو مالٍ ، والإضافَةُ لازِمَةٌ له ؛ ولَوْ سَمَّيْت رجُلاً ذُو لقلْتَ : هذا ذوًا قد أَقْبَلَ ، فتردُّ ما ذَهَبَ لأنه لا يكونُ اسمٌ على حَرْفَيْن أَحَدُهما حَرْفُ لِينٍ لأنَّ التَّنوينَ يَذْهبُه فيَبْقى على حَرْفٍ واحدٍ ، ولو نَسَبْتَ إليه لقلْتَ : ذَوَوِيٌّ كعَصَوِيٍّ ، وكَذلكَ إذا نَسَبْتَ إلى ذات لأنَّ التاءَ تُحْذَفُ في النِّسْبَةِ ، فكأنَّكَ أَضَفْتَ إلى ذِي فرَدَدْت الواو ، ولو جمعْتَ ذُو مالٍ لقلْتَ : هَؤُلاء ذَوُونَ لأنَّ الإضافَةَ قد زَالَتْ ؛ هذا كُلُّه كَلامُ الجَوْهري.
قال ابنُ برِّي عنْدَ قولِ الجَوْهرِي يلزمُ في التَّثْنيةِ ذَوَوانِ : صوابُه ذَويانِ ، لأنَّ عَيْنَه واوٌ ، وما كانَ عَيْنُه واواً فلامُه ياءً حملاً على الأكْثَر ، والمَحْذُوفُ مِن ذَوًى هو لامُ الكَلِمةِ لا عَيْنُها كما ذكَر ، لأنَّ الحذْفَ في اللامِ أَكْثَر مِن الحذْفِ في العَيْنِ ، انتَهَى.
وقال اللّيْث : الذَّوُونَ هُم الأَدْنَوْنَ الأَخَصَّونَ ؛ وأنْشَدَ للكُمَيْت :
وقد عَرَفَتْ مَوالِيَها الذَّوِينا (٣)
وقولهُ تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ) بَيْنِكُمْ (٤).
قال الزجَّاج : أَي حَقِيقَةَ وَصْلكُمْ ، أَي وكونُوا مُجْتَمِعِين على أمْرِ الله ورَسُولِه.
قال الجَوْهرِي : قالَ الأخْفَش في تَفْسيرِ الآيةِ : وإنَّما أَنَّثُوا ذاتَ لأن بعضَ الأشياء قد يوضعُ له اسمٌ مُؤَنَّثٌ ولِبَعْضِها اسم مُذَكَّرٌ لما قالوا دارٌ وحائِطٌ أنَّثوا الدَّارَ وذَكَّروا الحائِطَ أو ذات البَيْنِ : الحالُ التي بها يَجْتَمِعُ المُسْلِمُونَ ؛ وبه فَسَّر ثَعْلبُ الآيَةَ ؛ وكَذلكَ الحديثُ : «اللهُمَّ أَصْلِح ذاتَ البَيْنِ».
وقال ابنُ جنِّي : ورَوَى أَحمدُ بنُ إبراهيم أستاذُ ثَعْلب عن العَرَبِ : هذا ذُو زَيْدٍ ، ومَعْناهُ هذا زَيْدٌ ، أَي هذا صاحِبُ هذا الاسم الذي هو زَيْد ، قال الكُمَيْت :
إليكُم ذَوِي آلِ النبيِّ تَطَلَّعَتْ |
|
نَوازعُ قَلْبي مِن ظِماءٍ وأَلْبُبُ (٥) |
أَي إليْكُم يا أَصْحاب هذا الاسْمِ الذطي هو قولهُ ذَوُو آلِ النبيِّ ، انتَهَى.
قلْتُ : وهو مُخالِفٌ لمَا نقَلْناه عن الجَوْهرِي آنِفاً ، ولا يجوزُ أَن تُضِيفَه إلى مُضْمَر ولا إلى عَلَمٍ كزَيْدٍ وعَمْرٍو وما أَشْبههما فتأَمّل ذلكَ ، مع أنَّ ابن برِّي قد نازَعَه في ذلكَ فقالَ : إذا خَرَجَتْ ذُو عن أَن تكونُ وُصْلةً إلى الوَصْفِ بأسْماءِ الأجْناسِ لم يَمْتَنِع أَنْ تَدْخلَ على الأعْلامِ والمُضْمَراتِ كقولهم : ذُو الخلَصَةِ ، والخَلَصَةُ اسْمُ عَلَمٍ لصَنَمٍ ، وذُو كِنايةٌ عن بيتِه ، ومثْلُه قولُهم : ذُو رُعَيْنٍ وذُو جَدَنٍ وذُو يَزَنٍ ، وهذه كلُّها أَعْلامٌ ، وكَذلكَ دَخَلَتْ على المُضْمَرِ أَيْضاً ؛ قال كعبُ بنُ زهيرٍ :
__________________
(١) سورة الرحمن ، الآية ٤٨.
(٢) سورة الطلاق ، الآية ٢.
(٣) اللسان والتهذيب.
(٤) سورة الأنفال ، الآية الأولى.
(٥) اللسان والتكملة والتهذيب ١٥ / ٤٦ «ذا».